العدد 5260
الجمعة 10 مارس 2023
banner
الرمز في الأدب يبعدك عن تطفل المتسائلين
الجمعة 10 مارس 2023

للرمز في الأدب درجات متفاوتة من الإجادة والتفنن، فهناك كثير من الأدباء والكتاب عاشوا على الرمز وكانوا يستحضرونه إلى أعمالهم، وعكسوا من خلاله أحداث المجتمع وحركته بطريقة إبداعية فذة، كما فعل الكاتب المسرحي العظيم يوجين يونسكو في مسرحيته الشهيرة “الخرتيت”.


فقد قدم يونسكو أنماطا متعددة من الشخصية، معظمها غير متكامل، ولم يقدم لنا سوى شخصية واحدة إنسانية متكاملة هي بيرانجيه، ولعلنا لاحظنا أيضا أن كل هذه الأنماط التي قدمها تتحول إلى خراتيت، بل إن كل الناس في العالم وهم في مجموعهم لا يخرجون على هذه الأنماط أو ما يماثلها قد تحولوا في المسرحية إلى خراتيت، وبيرانجيه هو الوحيد الذي لم يتحول حتى نهاية المسرحية، ظل إنسانا، بل قرر أن يجابه هذا التحول ويحاول إصلاحه.


ما هي ميزة بيرانجيه إذا، تلك الميزة التي منعته من التحول وأعطته هذه الأبعاد البطولية.. ميزة بيرانجيه هي أنه إنسان قبل أي شيء، به ضعف البشر وتعاطفهم مع كل ما هو إنساني، وطيبة قلب الرجل العادي الذي لا يحمل ضغينة ولا يجيد المنطق ولا المناقشة، بل يحس بكل شيء بفطرته أو حدسه، وهو قانع بحاله، راض بنفسه، وأهم من ذلك كله غير منافق ولا يستتر وراء واجهات زائفة وأقنعة كثيفة مصطنعة، وعملية تحول الآخرين هي تمزق هذه الأقنعة وتساقطها واحدا وراء الآخر، أقنعة المنطق والتعقيل وحب التملك والتظاهر بالعلم أو التعالم.


إن طيبة وعفوية بيرانجيه هي ما تنقذه من التحول وهي أيضا مأساته، فعندما نصل إلى نهاية المسرحية لا نعرف ما إذا كان هذا التحول شرا أم خيرا، لأننا كجمهور أو قراء للمسرحية، ورغم لا معقولية الفكرة، نتمثل أنفسنا بيرانجيه، ولا نستطيع أن نفهم كيف يمكن له أن يواجه عالما من الخراتيت.


يقول جان بول سارتر عن “الرمز في الأدب” إنه الطريق إلى جوهر الحقيقة ويبعدك عن تطفل المتسائلين.


* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية