العدد 5265
الأربعاء 15 مارس 2023
banner
فخ ثيوسيديدس.. السبب تايوان أم القمر؟
الأربعاء 15 مارس 2023

الذين لهم دالة على التاريخ، يعرفون ماذا يعني قول، "فخ ثيوسيديدس"، وهو باختصار إشارة للحرب التي جرت بين أسبرطة واليونان قبل الميلاد، جراء مخاوف الأولى من نمو القوة الأثينية، وشاع هذا المصطلح من قبل عالم السياسة الأميركي "غراهام تي أليسون"، لوصف نزعة واضحة نحو الحرب، عندما تهدد قوة صاعدة قوة عظمى مهيمنة، إقليميا ودوليا. يشير فخ ثيوسيديدس، إلى الاضطراب الطبيعي الذي لا مفر منه، والذي يحدث بفعل تدافع القوى الكبرى على سطح الكرة الأرضية، وقد عرفته حضارات ما قبل الميلاد، الفرس والروم، الفراعنة والهكسوس، الإنجليز والفرنسيون، الأسبان والبرتغال، وصولا إلى حلف ناتو وحلف وارسو. هل حاضرات أيامنا على موعد ما مع فخ جديد من هذا النوع، وإن كان ذلك كذلك، فما هو السبب الذي سيدفع العالم في هذا الإطار؟

باختصار غير مخل، يبدو عالمنا المعاصر أمام فخ جديد، بين القطبين القائم المتمثل في الولايات المتحدة الأميركية، والصين القطب القادم لا محالة، حتى إن طال الوقت. نعم لا تبدو بكين اليوم في مقدرة الولايات المتحدة الأميركية من حيث القوة الخشنة، أي القوة العسكرية، لكنها عما قريب، ستلحق بواشنطن، إذ تركز الصين على منافسة أميركا، بحرا وبرا وجوا، ناهيك عن سعيها الحثيث لبناء ترسانة صاروخية نووية، قادرة على صد ورد التهديدات الأميركية.

غير أنه من ناحية القوة الاقتصادية، تحلق هواجس مخيفة فوق سماوات الولايات المتحدة، خصوصا بعد انهيار بنك سليكون فالي في كاليفورنيا، ووجود تنبؤات بحالات مماثلة. في الوقت عينه، ورغم تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني جراء جائحة كوفيد - 19، إلا أنها تعاود النمو، ما بات الغرب يخشاه في صحوه ونومه. هل هو ديالكتيك الحياة، الخاص بتراجع أميركا وصعود الصين؟ يبدو أن هذه هي سنة الكون، وإن بقيت الأسباب مختلفة، ما بين الاقتصادية والعسكرية، ووسط صراعات القوة الناعمة من ناحية والخشنة من ناحية أخرى.

في مقدمة الأسباب الخاصة بالفخ الجديد بين الصين وأميركا، تأتي قضية جزيرة تايوان، والتي تتصاعد أزمتها يوما تلو الآخر، وتتضارب التصريحات الصينية بين إنهاء أزمة تايوان سلميا، واللجوء إلى الحل العسكري.

مؤخرا تبدو أحاديث التحدي والمجابهة بين الجانبين، مستمرة ومستقرة، ويستشعر القارئ وكأن الحرب ستدور رحاها في الغد القريب.

المدهش في فخ ثيوسيديدس مؤخرا، هو انتقال الصراع من البر والبحر، وصولا إلى الجو، وما هو أبعد منه، أي إلى خارج الكرة الأرضية، خصوصا بعد إعلان خبراء أميركيين أن المنافسة الشديدة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا في استكشاف القمر، قد تتحول إلى شرارة حرب.

أصل القصة موصول بوجود أماكن محدودة فوق سطح القمر، تكون صالحة لإقامة قواعد عسكرية، الأمر الذي يؤدي إلى حتمية حدوث حرب فوق سطح القمر.

الحديث عن عسكرة الفضاء عامة، والقمر خاصة، ماض لا محالة، إلى الأمام، خصوصا إذا قدر للقوى الدولية أن تنقل أسلحتها إلى فوق سطح هذا الكوكب، والذي ظل طويلا مثارا لشعر الشعراء، ورومانسية الحالمين.

نجح الصينيون في الوصول إلى الجانب المظلم أو المعتم من القمر، وها هم الأميركيون يحاولون جاهدين ترتيب رحلات مأهولة إلى القمر، تعيد سيرتهم الأولى في أواخر ستينات القرن الماضي.

هل تسقط بكين وواشنطن في فخ ثيوسيديدس جراء تايوان أم القمر؟.

كاتب مصري متخصص في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية