العدد 5267
الجمعة 17 مارس 2023
banner
تولستوي الذي هزني من كتفي
الجمعة 17 مارس 2023

للأدب الروسي الكلاسيكي القوة والحيوية واللهب الذي يبهر المتلقي، ولرابع مرة أنتهي من قراءة رواية “الحرب والسلم” لتولستوي، وفي كل قراءة أشعر أنه يهزني من كتفي ويقول لي.. عليك أن تعي هذه الحياة وتضيء الظلمات بأشعة الأمل.
من يقرأ تولستوي.. من يقرأ في قصصه واعترافاته ورسائله، لا يستطيع أن يمنع نفسه من الانجراف مع دوار اللانهاية مع الإحساس بما يشبه الاحتباس والاختناق إزاء تيار الحياة الهادر الذي يتدفق خلف آلاف الأشخاص الذين يتحركون في قصصه وخلف آلاف الأفكار والأحاسيس والانفعالات والصور التي تتشابك في كل ما كتب وفي كل ما قال وما عمل، هذه الحياة الزاخرة الملتهبة الفنية استطاع تولستوي أن ينقلها إلى آثاره وأعماله، وكانت حماسته في إبداع عالمه الفني وفي تحريك أبطال قصصه وتنظيم مواقفهم للعب مصائرهم الفاجعة أو المشرقة، على قدر حماسته في الدفاع بقلمه ولسانه ويديه عن القضايا العديدة التي تجند لها ابتداء من إنشائه المدارس لتعليم الفلاحين حتى دعوته لتوطيد السلام بوسيلة اللاعنف والعودة للإيمان.
وهذا التفاعل المستمر بين فن تولستوي وسلوكه، يجعل آثاره الأدبية امتدادا أصيلا وانعكاسا صادقا لحياته وحياة المجتمع الذي يحيا في قلبه، وهذا التكامل والتعاطي والتداخل بين فكره وعمله هو الذي ينفخ بآثاره حرارة الزخم وصدق الحضور الإنساني، وقد أدى تحطيم الحواجز بين أدب تولستوي والحياة، حياته وحياة بيئته، إلى إغناء عالمه الأدبي وإخصابه وتزويده بأبعاد لا مثيل لها.
وتولستوي يستحق صفة المبدع الخارق ليس فقط بسبب غنى قصصه المدهشة بالوجوه الحية وازدحامها بالعواطف والأهواء والأمزجة والمواقف والمصائر التي لا حصر لها، بل كذلك بسبب الانطباع الذي نحسه، أمام هذا الدفق من الحياة، إننا لسنا إلا أمام جزء صغير من مظاهر القوة الخلاقة.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية