العدد 5267
الجمعة 17 مارس 2023
banner
انهيار البنوك وآثاره المدمرة
الجمعة 17 مارس 2023

البنوك تعتبر الملاذ الآمن للمودعين وعبر تجميع أموال المودعين في ماعون واحد تتوافر للبنوك الملاءة المالية القوية وتقوم بدورها بضخ هذه الأموال في مسار الحركة التجارية والاقتصادية والاجتماعية. وهكذا تلعب البنوك دورا مهما في التنمية ودعم الحركة التجارية الاقتصادية الاستثمارية. ولهذا تهتم الدول بتنظيم أعمال البنوك والإشراف عليها نظرا للدور الحساس الذي تقوم به لأهمية المال للحياة. ومن الاهتمام بالبنوك، يتم إصدار قوانين وضوابط فاعلة وحازمة لتوفير الأرضية القانونية المثلى لانطلاق البنوك في تحقيق دورها الهام، وكذلك توفير الحماية الكافية لأموالها. ومن الجدير قوله، إن القوانين الخاصة لها فلسفة خاصة تقوم عليها، وفلسفة القوانين المصرفية تقوم أساسا على حماية أموال المودعين والمستثمرين لأنهم الزاد الرئيس لرفد خزائن البنوك بالأموال وضخ الودائع. وفي نفس الوقت، فإن خروج أو “هروب” أموال المودعين من أي بنك تؤدي إلى انهياره ووفاته الدماغية. وشهدنا في الأيام الماضية، انهيار بنك سيليكون فالي الأميركي، وهذا البنك قام في هذه المنطقة أساسا لدعم شركات التقنية التي تدعم الثورة التقنية التي يعيشها كل العالم. ولقد ساعد البنك شركات التقنية ودعمها وتطورت أعماله ونمت حتى أصبح يحتل مكانا مرموقا في خارطة البنوك الأميركية.
خلال جائحة فيروس كورونا “كوفيد 19”، شهد قطاع التكنولوجيا فترة من النمو والازدهار، وهذا أتاح فرصة طيبة لزيادة أعمال وأرباح البنك وتوسع وخرج خارج الحدود لبريطانيا. وخلال هذه الفترة النشطة، قام البنك بشراء سندات الخزانة الأميركية طويلة الأجل؛ بغرض الاستفادة من الزيادة في الودائع. ولكن قيمة هذه السندات انخفضت مع ارتفاع أسعار الفائدة خلال زيادة التضخم في العام الماضي والحاضر. وفي محاولته لتعويض الخسائر، أعلن البنك في بداية هذا الشهر أنه باع استثمارات بقيمة تفوق الكثير من المليارات بالدولار، وأنه اقترض مبالغ بعدة مليارات، وكذلك سيقوم ببيع طارئ لأسهمه لجمع أموال كثيرة في حاجة لها. هكذا يقوم بكل هذه الإجراءات الصعبة وكأنه ينتظر الفرج بين ليلة وضحاها.
هذا الإعلان المدوي من البنك تسبب في حدوث هلع وخوف شديد وفورا سحب العملاء أموالاً تجاوز مجموعها عشرات المليارات في اليوم التالي، والحاضر يخطر الغائب لسرعة الحضور. وهذا الوضع المأساوي يشكل “الهروب الجماعي” للمودعين خوفا من ضياع أموالهم وكذلك أرواحهم. وهذه أصعب اللحظات التي قد يواجهها أي بنك مهما كان وضعه المالي متينا، وكذلك تجد السلطات الرقابية الإشرافية نفسها أيضا في وضع حرج جدا للتدخل لمنع انهيار النظام المصرفي بسبب نظرية “تأثير الدومينو”. وعليه وفي صباح اليوم التالي أصدرت الإدارة المختصة في ولاية كاليفورنيا أمرا بالحجز على البنك وتحويل أصوله لمؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية (فديك)، ولقد أعلنت (فديك) فورا عن بيع أصول بنك سيليكون فالي وعدم التفاعل مع مناقصة بيع الأصول قد يتسبب في حدوث أزمة مصرفية لا حدود لها ونأمل ألا يحدث ذلك. وإضافة لهذا وللأهمية، تدخل الرئيس الأميركي وكل الحكومة لتطمين الجميع وخاصة الأسواق التي بدأت أسعارها في الانهيار، ولتهدئة الأوضاع قدر المستطاع. ولتسلسل سرعة الحلول فورا، تم صرف تعويضات للمودعين حسب قانون ضمان الودائع المصرفية. ولكن وفق هذا القانون فإن تعويض المودع لا يتجاوز 250 ألف دولار وشريطة أن يكون البنك مؤمنا عليه ومشاركا في التأمين. وهذا المبلغ قد لا يعني شيئا للكثير من المودعين الذين عليهم الانتظار كثيرا حتى يحصلوا على تعويضات إضافية لاحقة بالنسبة والتناسب بين جميع المودعين في البنك. وهذه الإجراءات تأخذ وقتا طويلا.
 كانت الحكومات ولفترة طويلة تتحمل التبعات المالية لانهيار البنوك وهذا كان يحدث من أموال الخزانة العامة ويتحملها الشعب. ومع ازدياد الانهيارات تملل الكثيرون بسبب هذا الوضع وتم التفكير في أن تتحمل البنوك فيما بينها تغطية انهيار البنوك وبرزت فكرة تأسيس صناديق لضمان الودائع المصرفية. وبالفعل تم إنشاء هذه الصناديق في كل الأماكن لتخفيف الوضع على الخزانة العامة. وإضافة لهذا وكما ذكرنا، فإن السلطات الرقابية في كل البلدان يهمها استقرار الأوضاع في كل بنك تجنبا لما لا يحمد عقباه. وفي البحرين، منذ مدة تم إنشاء مجلس حماية الودائع وحسابات الاستثمار المطلقة للإشراف على صندوقي ضمان الودائع أحدهما للبنوك التقليدية والصندوق الثاني للبنوك الإسلامية. ويأتي القانون ولوائحه لتأسيس “مجلس حماية الودائع وحسابات الاستثمار المطلقة” من أجل وضع إجراءات تشريعية وتنظيمية لحماية ودائع الجمهور على اختلاف أنواعها ومسمياتها لدى المؤسسات المالية، وكذلك لتشجيع عمليات الادخار ومنح الثقة بالنظام المصرفي في ظل الأزمات المالية والمصرفية التي يتعرض لها الاقتصاد في كل العالم. ويهدف القانون إلى منح تعويضات للمودعين في حالات التعثر أو التصفية أو إشهار الإفلاس للمؤسسات المالية وفق نظام حماية الودائع. ووجود هذه الصناديق فيه صمام أمان للمودعين والمستثمرين في البحرين، وكذلك الأمان الأكثر؛ نظرا لوجود السلطة الإشرافية الحريصة والمتمكنة من المتابعة وتقويم العمل المصرفي في جميع الأوقات والأحوال.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .