العدد 5268
السبت 18 مارس 2023
banner
صحافة البيانات تقتل الإبداع
السبت 18 مارس 2023

قبل أيام كانت لي مداخلة في إحدى الندوات عن الأحقية في عضوية نقابة الصحافيين، وكنت قد أبديت رأيًا بدا للوهلة الأولى أنه غير مقبولٍ لدى البعض، كان الرأي أن يكون التخصص سمة العضوية في النقابة، وأن غير المتخصصين في الإعلام والصحافة يمكن أن يقبلوا كمنتسبين وليس كمشتغلين، هنا قامت الدنيا ولم تقعد، واعتبرني البعض عامل إزاحة للعديد من الموهوبين الذين تمرسوا على المهنة وأتقنوها وأصبحوا ملء السمع والبصر في عالمنا الصحافي الكبير.
والحقيقة أنني عندما أبديت هذا الرأي كنت لا أقصد أبدًا الذين منحهم الله الموهبة والثقافة والقدرة على الإبداع، لكنني كنت أقصد هؤلاء الذين هبطوا في غفلة من المهنية على مقاعد وثيرة واعتلوا أماكن لا يستحقونها وأدمنوا صحافة البيانات التي تأتي إليهم من الجهات التي يقومون بتغطية أخبارها، هذه الفئة بالتحديد هي التي أدت إلى تدهور الصحافة الورقية، وهي التي أصبحت وبالا على الصحف، وتلك ثقيلة من الصعب إزاحتها من أجل تطوير المحتوى الصحافي في بلدنا.
الذي كنت أقصده، هذه الفئة بالتحديد التي أساءت للمهنة وأقصت المستحقين واستولت على فرصهم في العمل والإبداع والحياة، هذه الفئة هي التي دخلت من الأبواب الخلفية للعمل الصحافي ولم تدخل بالطرق الشرعية والآليات المناسبة والتعليم المعتبر، فلا يصح أبدًا أن يجلس الصحافيون الحقيقيون والخريجون من كليات الإعلام بالآلاف على أرصفة الانتظار لفرصة ذهبية قد تأتي في يوم ما أو لا تأتي على الإطلاق. لقد تمت التضحية بأكثر من جيل صحافي كان يمكن أن يضيف إلى المحتوى ولا يخصم منه، وكان يمكن أن ينافس السوشال ميديا بكل جبروتها وسيطرتها، وألا تتعرض صحفنا للخسائر المتواصلة بسبب ضعف المقروئية وشح المبدعين.
لكن ماذا نقول.. إنها عقدة الرفض للآخر، وعدم القبول به، بل وعدم السماح له بالتعبير عملًا بمبدأ حرية التعبير على أساس أن الصحافة منصة للتنوير وليست مرتعًا للبيانات. إنها حالة لابد من التعاطي معها بقوة من خلال النقابة المسؤولة بوجوهها الجديدة القادمة وأعضائها المتفهمين تمامًا لطبيعة مهنة المتاعب وهمومها وحقوق المشتغلين بها. بكل تأكيد أنا أرفض ظاهرة التعميم، خصوصا أن كل خريج إعلام أو صحافة مبدع، لكنه هو الأكثر قدرة على اكتشاف قدراته في المهد، وليس الذين لا يدرسون ولا يقرأون ولا يدركون على أية مسافة يقفون بمهنة المهن، صحافتنا المأسوف على مستواها.
وأملي كبير في أن يكون التدريب للصحافيين من خلال النقابة الواعدة القادرة إحدى أهم مهماتها ومسؤولياتها تجاه الصحافي من أجل تطوير المهنة وتشكيل جيل جديد من المبدعين القادرين على تصويب الكلمة وتنقيتها من خزعبلات الدخلاء وتهاوي غير المتخصصين.
في كل بلدان العالم يمر الصحافي بالتدريب منذ أن كان طالبًا في الجامعة إلى أن يعتلي مناصب مرموقة في أية صحيفة بعد ذلك، إنه التدريب المستمر لأصحاب مهنة ترفض السكون وتسعى إلى الحركة الدؤوبة من أجل خبر جديد وحوار ملفت، هي جذابة للحدث، وفي جميع الأحوال ليست وصايا عشر لكنها وجهة نظر وددت لو نشبعها بحثًا إذا كنا جادين في أن نرتقي بمجتمعنا وأجيالنا الطالعة وفرصنا الضائعة وصحافتنا التي تعاني.

كاتبة مصرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية