اليوم وددنا الحديث عن الذكريات الحلوة والحنين إلى عبق الماضي وتلك الصور المحفورة في عقولنا وقلوبنا التي لا يمكن أن تغيب عن ذاكرتنا، حيث يتجدد ذكراها عندما تهل علينا هذه الأيام والليالي المباركة المليئة بالروحانية والرحمة والصبر والشعور بالآخرين من بسطاء الديرة.
كغيري من أبناء جيل الخمسينات، فإن لهذا الشهر “نطعه” خاصة ونكهة فريدة افتقدناها واندثرت مع مرور الزمن، فرغم ظروف الحياة القاسية وقلة الحيلة و”الناس وقتها حالتها ضعيفة”، إلا أن البساطة والقناعة والرضا والستر والعفة أمور كانت سائدة في البحرين، وعلى وجه الخصوص عند أولئك الذين عاشوا في الأحياء الشعبية القديمة في كل مدن وقرى البحرين، إذ يبدأ الاستعداد لديهم منذ أن يهل شهر شعبان، كتحضير خبز “لرقاق الذي يستخدم في طبق الثريد وعادة مكوناته من اللحم والقرع والبيديان والبوبر والعلي ولّم والبامية”، بعد ذلك نأتي إلى عملية تصفير جدور الهريس، فهناك أشخاص متخصصون يقومون بهذا العمل وسط الفرجان، بعد ذلك قيام الكثير من الأسر البحرينية بتجربة طبخ طبق الهريس كي يتأكدوا من جودة الحبوب المستخدمة.
في هذه الأثناء تحصل “مردويسه، وذبح أمذابح عند اليهال على أكل وريّة الهريسة، وتلحس المضرابه، ولقلاقة، وذاك من ذاك اللي يحصله نتفه من الوريّة”، كون طبق الهريس في تلك السنوات لا يحضر إلا لشهر رمضان فقط، نأتي بعدها إلى صعوبة الحصول على الكثير من المواد الغذائية والاستهلاكية، وفي مقدمتها اللحوم والرز والطحين، فهي غير متوافرة بكثرة، أيضا هناك إشكالية تحضير البهارات من خلال المطاحن القليلة جدا في السوق المحلية، فتجد طوابير من البشر عليها، نذهب بعد ذلك إلى صغار السن والناشئة واستعداداتهم، فيقومون بصنع الطبول والطيران من جلود البقر والماعز والحبال، والبعض الآخر يصنعها من علب الحليب الحديدية الكبيرة وأكياس الأسمنت ومادة النشا ويتركونها تحت الشمس لبضعة أيام حتى تجف، ثم يخرجون للطرقات والدواعيس ويرددون “حياك الله يا رمضان أبا القرع والبيديان”، كل تلك الصور وغيرها أصبحت من الماضي الجميل. وعساكم عالقوة.
* كاتب بحريني