في رواية “زوربا” يتحدث الرئيس، وهو الروائي نفسه إلى زوربا حديثا ذهنيا تجريديا معقدا: “هناك ثلاثة أنواع من البشر، الذين يحددون لهم هدفا أن يعيشوا حياتهم كما يقولون، ويأكلوا، ويشربوا، ويحبوا، ويغنوا ويصبحوا مشاهير.. ثم الذين يحددون هدفا لهم، لا لأجل حياتهم الخاصة، بل حياة جميع البشر، إنهم يشعرون أن جميع البشر ليسوا إلا واحدا ويجتهدون في محاولة تفتيح عقولهم وحبهم بقدر ما يستطيعون، ويحسنون إليهم.. وأخيرا هناك من هدفهم أن يعيشوا حياة الكون أجمع، إننا كلنا من بشر وحيوانات وكواكب لسنا إلا كلا واحدا، لسنا إلا من جوهر واحد في المعركة الرهيبة”.
على مدى التاريخ كانت هناك تعابير مبتورة وأفكار لاهثة ملتفة على نفسها تحاول تعريف الإنسان ذاته، لكنها في نهاية المطاف تسقط وتتلاشى أمام الجدار الصخري الكبير والثقيل الذي يكاد يكتم الأنفاس، ولعل هذه الكثرة والثقل كانا سببا رئيسيا من أسباب تكديس أكبر كمية من الأفكار المضطربة دون أن تأخذ قارئها إلى التأمل المنشود، ولا حتى إلى رؤية واضحة المعالم والأبعاد، فحقيقة الإنسان ظلمة موحشة كالحة معتمة تتوسط الحياة كمسرح للرعب والقلق، والشيء المهم هو أن يرى الإنسان نفسه، أن يظهر على حقيقته، أن يكون هو من أجل أن يعي وجوده، أن يرى الآخرين بدون مغريات وأكاذيب ومقاييس بيئوية واجتماعية، أن يتجرد كي ينظر إلى داخله الذي يكمن فيه الإنسان الذي عاش البراءة منذ آلاف السنين.
كل إنسان منا يؤمن بقدراته الذاتية وقدرة عقله على تمحيص المعطيات واستنباط النتائج منها، والوصول الى دوره الحق في صنعها أو تغييرها، وعندما قيل للأديب الأرجنتيني “خورخي لويس بورخس” كيف تصف لنا البشر. أجاب.. لا أحد يستطيع حل هذه الألغاز الموجعة المستعصية لأنها مونولوج داخلي خاص.
* كاتب بحريني