العدد 5272
الأربعاء 22 مارس 2023
banner
العالم ونهاية اللحظة أحادية القطبية
الأربعاء 22 مارس 2023

ترى أيهما أفضل لعالم أكثر أمنا واستقرارا، نموذج أحادي القطبية، أم ثنائي، أم متعدد الأقطاب؟
هناك جدل واسع حتى الساعة بين علماء السياسة، فمنهم من يميل إلى فكرة التوازنات الدولية عبر وجود قطبين قريبين في القدرات، كما كان الحال خلال الحرب الباردة، بين حلفي وارسو والناتو، وربما لو لم تكن هناك تلك الثنائية، لجرت حروب كارثية جديدة، في الوقت نفسه يجادل البعض الآخر بالقول إن الأحادية القطبية، لاسيما الأميركية، ضرورية لمستقبل الحرية، وإن أميركا التي ساعدت دول الحلفاء على دحر النظام النازي، ومن تبعه من دول المحور، هي عينها التي تصدت وتحدت الاتحاد السوفييتي، لهذا فإن تاريخها يسمح لها بأن تكون المدينة فوق الجبل، والمنفردة بإضاءة العالم بالحريات والحفاظ على حقوق الإنسان، وبقية النغمة اليوتوبية.
لكن كثيرين حول العالم يتساءلون، ولهم في الحق ألف حق، هل أميركا الحالية طهرانية إلى الدرجة التي تسمح لها بأن تضحى سيدة قيصر التي لا تخطئ والقطب الواحد المتحكم في البلاد والعباد؟ ليس سرا أن الحديث عن هيئة وملامح ومعالم النظام العالمي الجديد، الذي يتشكل في الرحم، قد أخذ بعدا جديدا في الأيام الأخيرة، لاسيما بعد الاختراق الكبير الذي أحدثته الصين، على صعيد الوساطة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية، ما دعا لطرح أسئلة استشرافية عن الدور الأميركي في قادم الأيام، وهل هو في طريقه للاضمحلال أم التقلص كعهد العديد من القوى الكبرى المعاصرة؟
يرى البعض أن اللحظة التي أعلن فيها عن نجاحات الصين في إحراز هذه الخطوة الدبلوماسية المهمة، والتي سيتعاظم تأثيرها حال مضت إلى نهايتها، تشابه وبصورة واضحة ما جرى في عام 1956، في السويس المصرية، حين وجهت الولايات المتحدة الأميركية بقيادة الرئيس أيزنهاور، إنذارا لبريطانيا وفرنسا وإسرائيل، والتي اتحدت ضد مصر، فيما عرف بالعدوان الثلاثي في ذلك الوقت. كانت تلك اللحظة النهاية المكتوبة للامبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس، فهل تتساوق الأقدار الأميركية مع نظيرتها البريطانية؟ المؤكد أن نجاحات الصين، تدفع الولايات المتحدة للقلق من نشوء وارتقاء عالم متعدد الأقطاب، وهو أمر قادم لا محالة، بفعل ديالكتيك الحياة وطبيعة التغيرات البشرية.
الذين لديهم علم من أحوال المشهد الدولي يدركون أن قادم الأيام سيحمل عالما جديدا، ليس ثنائي القطبية فحسب، بل متعدد الأقطاب، ولن يكون الأساس الذي سينبني عليه القوة العسكرية الخشنة فحسب، على أهميتها، بل سيكون للقوة الناعمة نصيب وافر، وللتقدم العلمي والتكنولوجي، لاسيما السيبراني نصيب بالغ من تلك الأسس، عطفا على البنى الاقتصادية التي تنتابها اليوم تدهورات مثيرة، وعلى غير المصدق أن يولي وجهه شطر أزمة المصارف الأميركية، ويتابع ما يجري من انهيارات لا يعرف أحد إلى أين تمضي، أو كيف ستنتهي.
يكتب عالم السياسة الأميركي الشهير البروفيسور، ستيفن والت، عبر مجلة الفورين آفيرز الأميركية الشهيرة مؤخرا، عن فقدان أميركا للحظة "التوهج القطبية"، والتي تمتعت بها لمدة ثلاثة عقود بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، والتساؤل هل شاركت أميركا بنفسها في تحول العالم إلى نظام متعدد الأقطاب؟
ربما كان ذلك كذلك قولا وفعلا، ولعل آخر دروب مسيرة العالم الجديد، الإصرار على هزيمة بوتين، والسعي في طريق تأديب روسيا، عطفا على حصار الصين، ما ولد تحالفا سيكون له شأن. 
 ومن جهة أخرى لم تعد واشنطن الحليف الموثوق بالمطلق، ما يفتح الباب على عالم متنوع ومتعدد، وغير أميركي بالضرورة والمطلق. 

كاتب مصري متخصص في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .