العدد 5278
الثلاثاء 28 مارس 2023
banner
موائد رمضانية بلا “آباء”!
الثلاثاء 28 مارس 2023

يأخذ شهر رمضان المبارك ترتيب الشهر التاسع في التقويم الهجري، وهو من الأشهر المُميزة عند المسلمين، والذي تزدحم فيه أعمال القيام والصيام وتلاوة القرآن وطلب المغفرة والعتق من النيران وابتغاء الإحسان وإعطاء الصدقات وإجابة الدعوات، فهو الشهر الذي تتفتّح فيه أبواب الجنان وتُغلّق عليه أبواب النيران من أجل استقبال الحسنات المضاعفة وتِرحاب الدرجات الرفيعة وسعة الكرامات الفياضة بمخصوص الأعمال العبادية كالصيام والقيام والتصدّق بإطعام الطعام أو تفطير الصيّام أو المداومة على قراءة القرآن، أو مُواضعة الاعتكاف في المساجد بالصلاة والدعاء والتسبيح، أو الاعتمار لبيته الحرام وإحياء ليلة القدر التي تُغفر فيها الخطايا وتُمحى منها الذنوب بإكثار الاستغفار الذي يُطهّر النفوس ويُنقيها من الدنس والذنوب، أو بصلة الأرحام التي تُحسّن الأخلاق وتُصفّي الأحقاد.
هذا الشهر الكريم الذي في أوّله رحمة وفي أوسطه مغفرة وفي آخره عتقٌ من النّار، وفي مكنونه أضعاف المآثر والحسنات، وفي نهاره ولياليه يُصفّد العتاة والشياطين وتُغلّق أبواب الجحيم والنيران وتُتجنب المعاصي والمُحرّمات وتُتلازم فيه الخيرات والطّاعات؛ هو فرصة الإحساس بالفقراء والمساكين والمحرومين والأيتام الذين يفتقدون العيش والنّعم لقضاء حاجاتهم وإعانة مُحتاجيهم وإغاثة ملهوفيهم وتفريج كروبهم وفق ما أشار إليه بوضوح الإمام علي بن أبي طالب (ع) بقوله: “أنا أبُ اليتامى” بعدما اعتبره شهر إكرام الأيتام الذي أكدّت مضامينه أهمية التفكير بأضعف الشرائح في المجتمع وضرورة البحث عنهم والعثورعليهم وتفقّد أحوالهم برعاية مُستضعفيهم وإعانة فقرائهم وإطعام محروميهم وملاطفة أطفالهم وسط جَمْعَات موائد الإفطار والسحور وتلاقي الأقارب والأرحام دون غفلة عن حصة الغائبين من الآباء والأمهات الذين قهرهم الموت المُحتّم وغيّبهم الفناء الأبدي.
نافلة:
يحظى مجتمعنا البحريني بموروث وطني تعاقبته أجيال بعد أجيال في هذا الشهر المبارك، هذا الموروث ترجمه رِباط التكافل المجتمعي بمختلف أبعاده وسط الأجواء الإيمانية التي درج الجميع – فُرادى وجماعات، صغاراً وكباراً – على أداء الفروض والعبادات التي اختلجت بتقليد المجالس الرمضانية المفتوحة ليلياً من جانب، وأفاضت بعادات المأكولات الشعبية المتنوعة من جانب آخر منذ لحظة إعلان ثبوت رؤية الهلال والتفننّ في تقديمها بأطباق “الهريس” و”الثريد” و”الجريش” و”اللقيمات” و”الخنفروش” و... إلخ وتبادلها بين بيوت الأهل والجيران في مشهد يُجسّد ذاك الرباط المجتمعي العريق الذي لا يغفل فيه الجار عن الجار والغني عن الفقير والحاضر عن الغائب. نسأل الباري تعالى أنْ يجعله شهر خير ورخاء على بلادنا وسائر بلاد المسلمين.. وكل عام والجميع بخير.
* كاتب وأكاديمي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .