العدد 5291
الإثنين 10 أبريل 2023
banner
رحلتي الطويلة مع الكلمة حرمتني بهجة الحياة
الإثنين 10 أبريل 2023

لم أكن مندهشا عندما قال لي طبيب العيون، إن نظرك بدأ يضعف بشكل سريع والمياه البيضاء غزت العين اليسرى، وعليك التفكير مليا وبعدها لا طعم للندم، فأنا كاتب أعيش القلق الفكري والنفسي، وأقرأ باستمرار وبنهم حتى الغيبوبة، أعيش صراعا داخليا بشكل يومي حتى أوفق في إبراز الفكرة التي تدوي في رأسي على النحو الذي أريد، إنه قلق فعال منتج عمليا لكنه مفجع صحيا، وهذا حال وطبيعة الكتاب الذين يعتبرون الكتابة قطعة منهم يغذونها بأعصابهم وقلقهم ودموعهم، ليس كل “الكتاب” طبعا، إنما الذين تفرغوا للصحافة والفكر، فهناك من يكتب في المناسبات ويخاف على نفسه من الانجراف مع تيار اللانهاية، وهذا النوع محظوظ لأنه بعيد عن الكون المغلق، أما أمثالنا فنعاني الآلام العظيمة والإجهاد الكبير في الفكر والجسد، ونرتطم بألف صخرة وصخرة ونستمع الى دقات قلوبنا الرتيبة الخاطفة، نقف كغصن شجرة مكسور ونصارع الحياة بقوة وعنف ولا نعرف الفتور والجمود، ونحن نعلم أن صحتنا وعافيتنا مهددة بالابتلاع.
عندما عرفت عائلتي الصغيرة ما قاله طبيب العيون، لم أر خوفا نابتا في أوردتهم، لأنهم يعرفون حبي الخرافي للصحافة والكتابة ومكاني في المقدمة من المعركة، يعرفون رحلتي الطويلة مع الكلمة التي تمنعني من النوم وحرمتني بهجة الحياة.. يعرفون سلسلة الآلام متصلة الحلقات التي أعانيها، والسهام التي تنغرز في أعماقي، فنحن بدون الكتابة نموت، ننكمش داخل أنفسنا ولا نعرف مواكبة الحياة. 
أقلام كثيرة تأتي تندفع في البداية بالحماس والنشاط، لكن مع مرور الوقت وازدياد الجهد والتعب، تختفي وتنجرف مع تيار النسيان، لأنهم يكتشفون بعد التجربة أن الكتابة للصحافة ليست ثوبهم اللائق، وتكوينهم الخلقي لا ينبض بحب الصحافة. أما نحن فلا نعرف الاستقرار في حياتنا النفسية والفكرية ونشق طريقنا في الحياة وندرك عظمة ما نفقد.. صحتنا، لكن ليس هناك من يفهم حقيقة ما نملك.. الغيمة الواقفة.. الكتابة.
كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .