العدد 5304
الأحد 23 أبريل 2023
banner
السياحة التعليمية
الأحد 23 أبريل 2023

لا أحد يشك أن الاقتصاد الخدمي يرفع من قيمة الأمم، وأن التفاضل بين الصناعات النظيفة وتلك التي ساهمت في إزهاق روح “الأوزون” أصبح يميل لصالح القطاعات التي تدر عائدات بلا خسائر، وقيم مضافة من دون آثار جانبية.
إنها السياحة بمختلف مفرداتها، تراث، بيئة صالحة، آثار، قيم إنسانية، مكونات واعدة وغيرها من الأنشطة التي يمكنها أن تصل ببلادنا إلى مصاف الأمم المتقدمة.
يرى البعض أن المقومات السياحية في بلادنا مازالت تحتاج إلى إعادة ترتيب للأولويات، إلى ضرورة التفكير خارج جميع الصناديق التقليدية التي نفذ رصيدها ولم يبق منها غير الذكريات.
لابد من التفكير الجدي في السياحة التعليمية، تلك السياحة التي وضعت العديد من دول العالم في مكان آخر على خارطة الأرض، وتلك المكونات التي لو بحثنا تحت أعيننا سنجد أن ثرواتها لا تنضب، ولا تُعد ولا تُحصى.
ولكن قبل هذا أو ذاك دعونا نسترشد بمن سبقونا، نحاول الاقتداء بهم، ونتذكر أرقامهم، لعل في الذكرى نفعًا للمؤمنين.
الأرقام الحديثة تفاجئنا بأن الولايات المتحدة الأميركية تحقق عائدات سنوية تتجاوز الـ 45 مليار دولار من الطلبة الوافدين، وأن أعداد الطلبة القادمين إليها من الخارج يتراوحون ما بين نصف مليون إلى مليون طالب وافد سنويًا، وأن ذلك ليس بغريب على دولة بها جامعات عملاقة مثل هارفارد وديوك وبرينستون ومعهد إم.آي.تي وستانفورد وغيرها.
المملكة المتحدة “بريطانيا” أيضًا تحقق عائدات سنوية من الطلبة الوافدين إليها تبلغ 21,3 مليار جنيهًا استرليني سنويًا، حسب الأرقام المعلنة أخيرًا من أصل عائدات تبلغ 26 مليار جنيه استرليني كإجمالي دخل من هذا المورد الضخم، وهو ما يوضح إلى أي مدى يحتل الطلبة الوافدون مكانة متقدمة جدًا في الدخل القومي البريطاني أسوة بما تتحصل عليه الدولة من عائدات إجمالية.
أما أستراليا، فهي تحتل دائمًا مكانة متقدمة بين دول العالم؛ نظرًا لاهتمامها البالغ بالطلبة الوافدين الذين يضخون 37,4 مليار دولار أميركي سنويًا وذلك وفقًا لأرقام عام 2019 - 2020.
إذا نظرنا لهذه الأرقام وحاولنا استنفار التاريخ القريب سنجد أن مملكة البحرين بما تتمتع به من بيئة صالحة، ومن تاريخ تعليمي مجيد يتجاوز القرن من الزمان، وبما تضمه من جامعات خاصة وحكومية حصلت على أعلى التقديرات والتصنيفات من أعرق وأهم مؤسسات التصنيف الأكاديمي العالمية “كيو إس” و “التايمز” ومؤشرات الأمم المتحدة وغيرها، سنجد أن هذه الجامعات أصبحت مؤهلة لكي تضع مملكة البحرين في طليعة دول المنطقة التي يمكنها استقطاب الطلبة من مختلف هذه الدول، خاصة أن الدراسات تؤكد أن هناك طاقة استيعابية لجامعاتنا وبرامج متقدمة تتميز بها هذه الجامعات، ومعدلات جودة مرتفعة في مختلف البرامج وفقًا لهيئة جودة التعليم والتدريب وتقديراتها الدورية برامجيًا ومؤسسيًا ولمتابعتها لأحوال الجامعات الخاصة التي حققت اعتمادية أكاديمية معتبرة واعترافًا من السلطات التعليمية في المملكة العربية السعودية الشقيقة، وعدد كبير من مختلف دول العالم.
كل ذلك يضع السياحة التعليمية بديهيًا على قمة اهتمامات المنظومة، بل ويشجع الدولة على التعاطي مع هذا المنتج الاقتصادي الضخم بالاهتمام الذي يستحقه، وبالتشجيع الذي يجب ألا يغفل عنه صانع القرار.
إن جامعاتنا الوطنية تستطيع بما تمتلكه من مقومات ومن إمكانات، ومن بحوث فارقة مُحكمة وفقًا لـ “سكوبس” وغيرها أن تكون بمثابة المورد الموازي على أقل تقدير لمورد النفط وصناعة التكرير، حيث كل التقديرات تشير إلى عائدات لا تقل عن المليار دينار بحريني سنويًا، لو تم تشجيع الجامعات الخاصة تحديدًا على استنباط برامج جديدة تحاكي أصول الحداثة والمعاصرة، وهو ما تحقق لجامعتنا الأهلية مؤخرًا بعد أن حصلنا من مجلس التعليم العالي على الموافقة باستحداث برامج جديدة مثل المحاسبة الجنائية، وإنترنت الأشياء، وتكنولوجيا المعلومات، وعلوم التغذية، واللغة الإنجليزية وغيرها، بالإضافة إلى ضرورة المساهمة معنا في تسويق اعتماداتنا الأكاديمية في دول المنطقة، هو ما يمكن أن يدر عائدات اقتصادية تدعم قطاع السياحة في البحرين بعد أن امتلك هذا القطاع الخدمي أعلى مواصفات الضيافة، فندقة وصناعة مطاعم وتجارة تجزئة ووسائل اتصال حديثة ومجمعات تجارية على أعلى مستوى.
السياحة التعليمية مستقبل لا ينبغي تجاهله، ولا يجب غض الطرف عنه، فهو اقتصاد قادم وقائم ومتوافرة أركانه، اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .