العدد 5318
الأحد 07 مايو 2023
banner
جودة الرؤية
الأحد 07 مايو 2023

في البدء كانت جودة التعليم، وفي المنتهى جودة الرؤية، كيف نخطط للمستقبل، وكيف نراه؟ ماذا بعد اللحظة؟ وما هي آفاق النظرة إلى الأمل الكبير؟
تلك هي التساؤلات التي تحيط بالمفكر إذا انفرد بنفسه بعد أن يكون قد تحقق في الواقع، بعد أن يصبح ملء السمع والبصر في دنيا الفنون والعلوم والآداب.
وها نحن اليوم في قطاعنا الأكاديمي التعليمي الفسيح وقد حققنا واعتلينا أعلى منصات جودة التعليم محليًا وإقليميًا وعالميًا، باعتراف المؤسسات الدولية والأمم المتقدمة وكل ما يتعاطى بهذه النظم المؤسسية التقييسية المعتبرة، ماذا بعد الجودة؟ وهنا يحضرني جواب أسرع مما تخيلت، إنها جودة الرؤية، أن نرى الأشياء من بعيد أكثر حصافة وقدرة على الفرز، بزوايا أكثر كفاءة على اكتشاف ما هو بين السطور أو تحت الأقدام، وبآليات تلقائية منحها الله لنا، وعلينا فقط أن نستلهم منها العبر والدروس.
نعم.. إنها الرؤية الدقيقة للأشياء، للأهداف، للآفاق المترامية عبر وحشة التحديات، وجسامة المسئوليات، وتفاصيل الأحلام.
في الماضي فكرنا في تعليم جيد، وفي برامج تحاكي أصول المعارف وتحديثات العلوم وتجليات التقنية، واليوم نفكر بجدية في خطط مستقبلية متناغمة مع ما بعد الذكاء الاصطناعي، وما بعد التيمز والأون لاين والتخاطب عن بُعد.
بدأنا في التفكير مثلاً عن كيفية إعداد الخطط الجماعية عبر وسطاء إلكترونيين، ومن خلال “سيميوليتر تحفظي”، أو عن طريق تجارب استباقية للزمان والمكان.
هي الهندسة الفراغية التي تسللت بعبقرية إلى علوم الرياضيات وحفظناها عن ظهر قلب، وها هي اليوم تعود مخصبة بخيالاتنا المخضبة بالآمال والوعود والعهود المقطوعة على أنفسنا وذواتنا المتلهفة لمزيد من العلم ومزيد من المعرفة ومزيد من الإبداع.
ها نحن اليوم بصدد التركيز على التفكير خارج الصندوق الأسود للمعارف القديمة، لقد ذكرتني محاضرة للعالم السويسري الكبير ستيفان جاريللي وكنت سعيد الحظ بحضورها في مطلع الألفية وهو يقول: إن المستقبل يبدأ غدًا، وهأنذا أعيد استحضار ما قاله العالم الفذ، مستذكرًا كل ما تلقيته من علوم، وكل ما مررت به من تجارب، وكل ما تعرضت له من تحديات، لأقولها بالفم الملآن: آن لنا أن نفكر بعيدًا عما يُثار من تحت أقدامنا من أتربة ومعوقات، وعلينا أن نفكر بجدية في إعادة ترتيب المنظومة العلمية الأكاديمية، بالتحديد على أساس من البحوث المُحكمة القائمة على اقتناص الفرص من أعقاب المشكلات، وعلى استلهام الرؤى من بين المتناثر من أفكار وأطروحات، وعلى رسم خارطة طريق جديدة للجامعات تعتمد على تجويد الرؤى، وتصويبها، على أن يكون الأساس التصريح لا التلميح، والتوضيح لا التقييم، والتحرير وليس التعقيد.
هنا يمكن أن نحظى باعترافات أكاديمية أبعد من تلك التي حظينا بها في اعتماديتنا قبل فوات الأوان، لابد وأن تكون العدالة الناجزة في التعامل بين القطاعين العام والخاص أمرًا مقضيًا وليست أماني على الهواء، لابد أن ننتبه بأن الجامعات يمكن أن تدر عائدات لا تقل عن مردود صناعة النفط والغاز والتكرير، ولابد من الإيمان بأن الاعتماد على صناعة المعرفة سوف يحل لنا الكثير من المشكلات، والعديد من القضايا العالقة في ذهنية المجتمع وتلك التي تؤرق مخادعه ومن بينها معضلة البطالة والتضخم وغيرهما.
هذا يجرنا إلى ما حققه فريق عمل طلاب “الأهلية” عندما فازوا بالمركز الثاني “الوصيف للبطل” في مسابقة البورصة بعد معهد البحرين للدراسات المصرفية والمالية، ولابد من الإشارة إلى أن مناهجنا أصبحت تمتلك من جودة الرؤية ما يجعلها تنافس أحد المختصين جدارة في العلوم المالية والمصرفية.
هذه حقائق نجني ثمارها، وهذه هي جودة الرؤية مثلما تحققت خلال مسابقة عابرة بين طلابنا الجديرين وطلاب الجامعات الأخرى الأكثر تخصصًا ودراية.
هو التفكير العميق في كيفية علاج قضايانا من خلال جامعاتنا، وفي آلية التنسيق مع الجهات المسئولة لتوضيح حاجات الجامعات وضرورة أن يكون القرار جماعيًا وليس انفراديًا، وأن يكون في الصالح العام ليس إلا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .