+A
A-

 هيروكازو كوري ايدا في فيلم وحش.. يدق نواقيس الخطر في كان!

يذهب المخرج الياباني هيروكازو كوري ايد في فيلمه الجديد وحش الى منطقة قصية في تعرية وتحليل الكثير من القيم الكبري بالذات تلك التي تمس الاخلاق وايضا الآداب الحديثة.
وهكذا توجه ليس بالأمر الجديد على هيروكازو كوري ايدا الذي يدهشنا في كل مرة بالطروحات التي يذهب اليها والتي تمس الانسان والمجتمع وقضاياه الكبرى، ونشير الى ان كوري ايدا فائز بالسعفة الذهبية والاوسكار عن تحتفه الخالدة الطفيليون التي ناقش خلال جملة من القضايا الاجتماعية التي لفتت الانتباه دوليا لأسلوبه ومنهجيته في الكتابة والاخراج .
وهو هنا في فيلم وحش يذهب الى موضوع التعليم والاخلاق وكتابة تبدو للوهلة الاولى معقدة شفافة ترصد التنمر تارة والمثلية الجنسية والاشكاليات الاسرية بالذات فيما يخص فقدان الاب او انصراف الاب عن الابناء . كما يتوقف كوري ايدا امام اشكالية الاحترام غير التقليدي للسلطة المعيبة في الجانب التربوي على وجه الخصوص، وهيمنه وسائط التواصل الاجتماعي، كل تلك المعطيات والحيثيات خلقت وحش كبير مدمر .
يعتمد هيروكازو كوري ايدا على كوكبة من المبدعين وهنا نحن امام ثنائي يشكل اساس الثلاثي الذي يقف علية الفيلم بالإضافة الى المخرج هناك كاتب السيناريو الياباني القدير يوجي سكاماتو وايضا الموسيقار العالمي ريتشي سكاماتو الذي عرف عالميا من خلال موسيقاه لفيلم عيد ميلاد سعيد سيد لورنس، وهنا يشكل هذا الثلاثي نبض الفيلم وتعميق دلالاته سواء من خلال النص الثري بالإشارات التي تعري تلك الاخطاء والممارسات التي ساهمت في خلق ذلك الوحش الذي يعيش بيننا وايضا الموسيقي المؤثرة التي تجمع بين البيانو تارة، والآلات النفخ تارة اخري بعد تنامي الاحداث ووصولها الى نقطة اللا عودة.
المتن الروائي يبدأ بحريق ضخم ونتابع حكاية طفل يتيم يعيش مع امه يتعرض للضرب من قبل استاذه في المدرسة لتذهب الام مطالبة بالتحقيق والذي يتحول الى اعتذار من قبل الاستاذ بطلب من مديرة المدرسة، ولكن الاحداث تتكرر مع مجموعة من الاحداث التي لا نفهم حيثياتها واسبابها، وسرعان من ينقلب السيناريو من نقطة النهاية الى العودة الى البداية لكشف جميع المشاهد والاحداث ومبرراتها . لنكتشف بان صديق ذلك الطفل هو الاخر يعاني من مشاكل وهو يعيش مع والدة السكير والمنفصل عن والدته ويتعرض للضرب يوميا من قبل والده لذا يبدا بالتنمر تارة والبحث عن فضاء امان ليجده عند صديقه الصغير والذي يقوم معه بعدد من المغامرات في الفصل تارة وخارجه وفي كل مرة يتورط المدرس المسكين بالاتهام ليضطر الى الاعتذار تحت الحاح الناظرة التي تخفي هي الأخرى كم الحكايات والاسرار واصرارها على عدم افشاء اسرار المدرسة والتي ستتعرض الى الانهيار، انه الكذب والزيف على الحقائق من اجل استمرارية المدرسة، رغم الاخطاء التربوية والتعلمية وايضا الاسرية والاجتماعية .
طفل عادي حولته الظروف الى نزق مشاكس راح يؤثر على صديقة الاخر ، لتكون النهاية حريق كبير في الحانة التي يذهب الية الاب يوميا ونشاهده في بداية الفيلم ولا نعرف حيثيات ذلك الحريق وبقية الاحداث حتى يعود بنا الفيلم من النهاية الى البداية من جديد .
سينما رفيعة المستوى مكتوبة بعناية وعمق وثراء في الشخوص وما تمثله من شرائح انسانية كل منها متورط، فيلم لا يعرض معنية بسهولة وبساطة، بل يجعلنا نلهث وراء الاكتشاف والتحليل، حيث تستعاد الاحداث مرات متعددة ومن وجهات نظر مختلفة حتى نصل الى وجهة نظر المشاهد حيث الاكتشاف بان كل الاطفال في المدراس وكل تلك الاخطاء وكل تلك الممارسات التي تبدو هامشية ما هي الا وحش كبير يحيط بالمدينة وعلى وشك ان يدمر كل شيء .
في التمثيل عدد من النجوم الرائعين الذين عاشوا الشخصيات ودلالاتها بعمق واحترافية ونشير الى الام (ساكورا اندو) والمدرس (ايتا نجايامي) والابن (صويا كوركاوا)، والمديرة (يوكو تاناكا) التي قدمت شخصية مركبة بأداء صوتي عميق ودفين.
لا يتعلق فيلم وحش بما يبدو عليه في البداية، حيث يقضي السرد على سوء الفهم المضلل إلى أن يصل إلى نواة الحقيقة العاطفية، ويقدم لنا الفيلم الأمل وليس اليأس. كانت العروض التي قدمها ساكورا أندو وإيتا ناجايامي والأولاد هادئة في الصراحة والنزاهة. أما بالنسبة للقصة نفسها، فيمكن القول إنها مفتعلة قليلاً بغزارة من الغموض ربما لم تكن بحاجة إلى أن تكون كثيفة للغاية. لكن هذا فيلم تم إنشاؤه بذكاء أخلاقي كبير وإنسانية عذبة تجعل المشاهد يخرج من الصالة وهو يلتفت الى اطفاله وجيرانه وكل ما يحيط به، حتى نفسه، وهنا اهمية الفيلم لأنه لا يغادرك، بل يظل بداخلك، لا يطرح الاسئلة فقط، بل يدق النواقيس محذرا .