العدد 5331
السبت 20 مايو 2023
banner
حوار وطني
السبت 20 مايو 2023

يخطئ من يظن أن الحوار الوطني الممتد في أرض الكنانة ربما لنهاية هذا العام، لم يستفد من تجارب وخبرات إقليمية وعالمية متعددة، رغم ذلك فإن الملف الثقافي في هذا الحوار رأيته بعد متابعة وتحقق ممتد حتى بلادنا العربية الشقيقة من منطلق صون الهوية والمحافظة على الثوابت، أنه جاء تأكيدًا على أساسيات العمل الوطني، وتعميق الانتماء.
مملكة البحرين لها حوار وطني أسفر عن تغييرات مهمة، نجحت البحرين وسوف تنجح مصر بإذن الله، ذلك أن الحوار سمة البلدان المتحضرة، والحوار في أصله وفصله يعني تبادل وجهات النظر من خلال العقل الرصين، والمعلومة الواعية، والهدف الوطني الواضح. الحوار الوطني في مصر بالتحديد من خلال ملفه الثقافي، لم يغفل دور المثقفين في تنمية الوعي، وفي تثبيت الهوية، ومن ثم الوقوف أمام مختلف الحروب التكنولوجية التي تنتمي للجيلين الخامس والسادس، خصوصا تلك التي تعتمد على تثبيت نوازع فكرية من شأنها أن تتعارض مع قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، لكننا شئنا أم أبينا لابد أن نتعامل معها، بل من الواجب أن نواجهها حجة بحجة، ودليلا ثبوتيا بآخر مدجج بالحقائق والبراهين.
أبهرني أحد الصحافيين خلال مؤتمر صحافي للرئيس الفرنسي ماكرون في زيارته الأخيرة للقاهرة عندما سأله عن موقفه الشخصي من الذين يسبون الرسول عليه أفضل الصلوات وأزكى السلام، لم يجب ماكرون بوضوح، لكنه تحدث عن الحريات، وهرب من فخ السؤال إلى إجابة أكثر ظلامية من هؤلاء الذين يتخذون مواقف مضادة لثوابتنا وعاداتنا وديننا الإسلامي الحنيف.
هنا تكمن أهمية الملف الثقافي في الحوار الوطني المصري، بل وفي أي حوار عربي آخر، هنا يتضح التحدي ونحن أمام مشهد ملتبس بشدة أمام الأجيال الجديدة التي نشأت على التخبط وعدم المعرفة بتراثنا وميراث أجدادنا وثوابتنا الوطنية العريقة.
الملف الثقافي في الحوار الوطني المصري مثلما جذبتني فيه حرية الرأي والرأي الآخر، ومثلما تعددت الآراء ووجهات النظر، بل وتناقضت مع بعضها البعض أحيانًا، فإنها دفعتني إلى التفكير قليلاً خارج الصندوق، دفعتني لكي أربط وضعنا الثقافي بأحوالنا التعليمية، فكرنا الذي يشكل شخصيتنا العربية، وذلك الذي يهجم من الخارج محاولاً النيل من هذه الشخصية، ثقافتنا التي تعرضت للتشويه والتحريف والتجريف نظرًا للانسحاب من مشهد الوعي الجمعي الوطني والانشغال بأمور اقتصادية وسياسية استحوذت طويلاً على اهتمامات الحكومات، آن لها أن تأخذ مكانها الطبيعي وسط منظومة مجتمعية تعاني من الإعياء، وتواجه من الخلط والبلبلة ما يمكن أن يودي بها إلى ضياع الهوية، وتتويه خصائصها، واستبدالها بكل ما هو مسيء، وكل ما هو مُشوّه، وكل ما هو على النقيض تمامًا من قيم وعينا المجتمعي، ومن معارف ثوابتنا التاريخية البعيدة.
إن أي حوار وطني لابد أن يعتمد على خاصية بناء الإنسان كحجر أساس، وعلى تشكيل وعيه ومعارفه من خلال ربط التعليم بالثقافة.
عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في زمانه الذهبي كان قد شرع في تأليف كتاب عن مستقبل الثقافة في مصر، فإذا به يجد نفسه وهو يؤلف كتابًا عن مستقبل التعليم في مصر، التعليم هو أساس بناء العقل الجمعي الوطني، والمعرفة وأصول العلوم هي المنبع الذي يستمد منه المثقف معلومياته، ودلالاته، واهتماماته، وقدرته على بناء الذات العليمة على أسس واضحة.
الملف الثقافي في أي حوار وطني أصبح يحظى بالاهتمام من النخب ولدرجة أن ورش العمل المقترحة أصبحت تربط بين الثقافة والتعليم، وبين العلوم ودور النخب، ثم ما بين العولمة وضرورة الاتصال مع العالم وليس الانفصال عنه.
القطيعة مع التاريخ أراها هدفا لكل ما يتسلل إلينا من أفكار باهرة لكنها في منتهى الخطورة على شخصيتنا وهويتنا، وتشكل تهديدًا واضحًا لوعينا الجمعي ودورنا الوطني.
التعليم والثقافة شقا رحى على جانبي الرأي والرأي الآخر، في حوار وطني مصري لا تنقصه الصراحة والوضوح، ولا يحتاج إلا لقليل من الصبر، وإن غدًا لناظره قريب.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .