العدد 5331
السبت 20 مايو 2023
banner
ضحايا ثورة الاتصالات
السبت 20 مايو 2023

أفتش عن شخص لا أعرف من هو بالضبط لأقول له.. خذ كل هذه الأجهزة واعطني يوما واحدا بدون “موبايلات”، وأناسا من لحم ودم يتحدث الواحد إليهم على راحته دون خوف على الباقة، وأقارب تجتمع بالأمر كل أسبوع في بيت واحد من العائلة، ويكون مجال العتاب على الغياب بينهم “مش لسه كنا سهرانين عندك من أسبوع؟”، وليس كما هو جار الآن “مش لسه عامل لك لايك على فيس بوك من يومين؟”، خذ الأجهزة واعطني أناسًا يهنئون بعضهم في المناسبات و”الوش فى الوش” وليس عبر رسائل سابقة التجهيز مخزنة في ذاكرة المحمول يتم إرسالها بالجملة كتأدية واجب، اعطني أناسًا يأخذون بيد بعضهم بعضًا بالأيادي وليس بالضغط على الكيبورد، يصنعون ذكرياتهم بالحركة وليس بـ “التاج”، و”خروجات” ينظر الناس خلالها إلى وجوه بعضهم بعضًا، وليس إلى الشاشات، اعطني “خروجات” أصلا. 

أفتش عن شخص يمكنني أن أشكو الوضع أمامه وأطلب منه أن يتدخل بالمساعدة، شخص يستطيع أن يفهم كيف أن مواليد ما بعد ثورة الاتصالات والمعرفة لن يتعلموا ويقدروا قيمة تفاصيل صغيرة يعرفها جيلنا جيدا، ويعرف قيمتها، جيل استطاع أن يتعلم بالوقت قيمة الوقت، ساعدته طبيعة الحياة التي عاشها على أن يتعلم ويعرف قيمة الجار الذي يعمل له الواحد حسابا كأنه الأب بالضبط، وقيمة المدرس الذي لو صادف ولمحه الواحد في الشارع يخاف احتراما له ويبحث عن طريق آخر حتى لا يسأله “رايح فين وبتعمل إيه في الشارع”، كان للأساتذة هذا الحق، قيمة القوانين التي تجعل كل شيء يدور في نظام وتحت السيطرة، لقد اختبر جيلنا أن هناك قانونا لكل شيء، حتى زجاجة الكوكاكولا كانت هناك قواعد زمانية ومكانية للحصول عليها كمكافأة، يفتقد فكرة أن الناس كانت تفكر كثيرا قبل أن “تفتح بوقها”، وتمسك كل واحد بأن “يحترم سنه”، وتفاني الجميع في احترام حقوق الغير.

قرأت قبل عدة سنوات مقالا أجنبيا يتحدث عن الإنسانية في ظل هذا التطور، لا أتذكر منه سوى جملة واحدة لكنها تلخص كل ما قيل “أصبحت الإنسانية قادرة على الوصول إلى المريخ لكنها أصبحت عاجزة عن عبور الشارع لزيارة جار والاطمئنان عليه”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .