العدد 5334
الثلاثاء 23 مايو 2023
banner
الدولار الحائر بين الخليج ومصر.. من يصرخ أولًا؟
الثلاثاء 23 مايو 2023

سهّلت التقنيات الفائقة لصديقي البخيل ـ يعمل بالخليج منذ أعوام ـ أن يوقظني كل يومين مهاتفًا عبر برامج الاتصال المجاني، ليسأل في عجالة عن أحوالي، ثم يسأل بلهفة عن أحوال الدولار: كم سعره اليوم مقابل الجنيه المصري في السوق الموازية؟


أوقن أن ما يهمه ـ باتصاله المتكرّر ـ هو الدولار في المقام الأول، أعرفه قبل أن أمسك بأول دولار، وأحوله بالمصارف مقابل أربعة جنيهات قبل عقدين، الآن سعره تضاعف عشر مرات بالسوق الموازي، وتخطى الثلاثين جنيهًا رسميًّا.


الدأبُ الحثيث لصديقي ذاك، يكشف سرَّه بيانٌ أخير أصدره البنك المركزي المصري مؤكدًا تراجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج، بالنصف الأول من العام المالي الجاري، بنسبة 23 % مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.


 يؤخّر صديقي تحويل أموالاً لأهله بمصر، يرسل إليهم بالكاد ما يكفيهم، انتظارًا لتعويم جديد للجنيه يصل بالسعر الرسمي إلى مستوى السوق الموازية، الذي يزيد عن السوق الرسمي بنحو 25 %، لتصير الألف دولار التي يحولها بأربعين ألف جنيه، لا بثلاثين ألفًا فقط.


 لا يلام ـ إذن ـ مستثمرون خليجيون يسلكون مسلك صديقي، بانتظار سعر أقل للجنيه أمام الدولار، ليشتروا ـ بأقل قدر من المال ـ أكبر نصيب من 32 شركة معروضة للبيع هذا العام، ضمن خطط تخارج الحكومة من الشركات العامة.


وبلغت حصيلة بيع ما نسبته 9.5 % من حصة الحكومة بالشركة المصرية للاتصالات، نحو 127 مليون دولار، رقم معقول مقابل سعر السهم الواحد البالغ نحو خمسة وسبعين سنتًا، لكن الخبر الأبرز أن معظم المشترين كانوا محليين، كما أكد لي قيادي بالشركة.


 يعني ذلك أن هدف الحكومة من البيع لتحقيق وفرة دولارية لم يتحقق بجذب مستثمرين أجانب، بحسب موقع بلومبيرج، وأن المستثمرين الخليجيين ـ المستهدفين بشكل رئيس لبيع الحصص الحكومية ـ لايزالون منتظرين لسعر أقل للجنيه مقابل الدولار، بحيث يشتري كل دولار سهمين أو أكثر لا سهمًا ونصف.


ماذا يمنع الحكومة المصرية من خفض جديد للجنيه، تطالب به مؤسسات دولية لمنح مصر قروضًا جديدة؟ الإجابة بموقع “البلاد”.


الإجابة هي المواطن البسيط، الذي دهسته ارتفاعات الأسعار، حيث تقفز لأعلى بنفس نسبة انخفاض الجنيه.. لا تريد الحكومة أن تضغط بما يفوق تحمله.


سترضخ الحكومة في النهاية للسعر الواقعي للجنيه مقابل الدولار، أو سعر قريب منه، لكنها ترجئ ذلك لأبعد مدى ممكن.


قال لي مسؤول بوزارة المالية إن الأزمة ليست ـ كما يردد معارضون ـ في بيع الشركات لمستثمرين أجانب، إن أعتى الدول باعت شركات لها لمستثمرين أجانب، وفي النهاية، فهي ذاهبة لأشقاء لطالما ساندوا مصر في كل أزماتها، ويدركون قيمتها وسيعملون للصالح العام بنفس قدر عملهم لمصالحهم الخاصة، لكن مقتضيات الموازنة بين عدة جبهات، تتطلب التريث.


طرح المصرية للاتصالات، التي تعد أول صفقة بيع كبيرة لأصول مملوكة للدولة منذ إطلاق برنامج الطروحات الحكومية في وقت سابق من العام الحالي، ورغم ضآلة العائد من ورائها ـ نحو 11 مليون دولار من الأجانب والباقي بالعملة المحلية ـ إلا أنه يجري الآن، وخلال كتابة هذه السطور، تجهيز طرحين قبل نهاية العام المالي الحالي في يونيو، من بين سبع شركات مملوكة للدولة تتجهّز لطرحها ضمن برنامج الطروحات الحكومية، لإتمام الطروحات الخمسة المتبقية قبل نهاية العام.


الشركات المطروحة للبيع عما قريب هي الشركة المصرية لإنتاج الألكيل بنزين الخطي “إيلاب”، الشركة المصرية لإنتاج الإيثيلين ومشتقاته “إيثيدكو”، الشركة المصرية لإنتاج البروبلين والبولي بروبلين، شركة حلوان للأسمدة، شركة تنمية الصناعات الكيماوية “سيد”، وشركة الحفر المصرية.


هل يجري الطرح قبل تعويم جديد أم بعده؟ ومن يصرخ أولاً: الحكومة التي تتعجّل الحصول على بضعة مليارات من الدولارات لسداد التزاماتها ولجم السوق السوداء للدولار بسعر واقعي في المصارف يقضي على المضاربات؟ أم المستثمرون العرب والأجانب الذين يتلهفون على اقتناص حصص في شركات مغرية بأقل سعر وأقرب وقت؟


تقديري أنه بمنتصف العام الحالي، ستجد الحكومة نفسها مضطرة للرضوخ للواقع، مع مضيها في مساعي الحصول على قرض جديد بقيمة ثلاثة مليارات دولار خلال الأيام القليلة المقبلة، يتطلب شروطًا قاسية، فضلًا عن احتياجها لدفع التزامات للدائنين تقدر بنحو 11 مليار دولار قبل يوليو المقبل.

- كاتب مصري وخبير بالاقتصاد الرقمي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .