العدد 5342
الأربعاء 31 مايو 2023
banner
لا أُشبهكَ.. لكنني أنت
الأربعاء 31 مايو 2023

هل ينبغي لي أن أكون نسخة منك دون خطأ أو ثغرة كي تقبلني؟ أيجب أن أتحدث لغتك وأعتنق دينك وأعتقد بمذهبك وأتمثل أفكارك وأحيا بأسلوبك ذاته، وأتقبل ما تتقبله أنت، وأنفر مما تنفر منه، وأرتدي لباسك أياً كان شكله، ويتفق لون بشرتي مع لونك، كي تتقبلني وتتعايش معي بسلام؟! ألم يخلقنا الله سبحانه مختلفين حتى في بصمات أصابعنا، لكننا في آخر المطاف نلتقي في الإنسانية والخلقة وإن اختلفنا؟
ألم يئن الأوان لأن نتخلى عن تعصبنا الديني والمذهبي، وأن نصب تركيزنا على الأركان المشتركة التي تجمع بين معتقداتنا، لا الفروع التي تخلق الفروقات بين المذاهب والنحل؟ آن الأوان أن نخجل من ازدرائنا الآخر بسبب لونه في زمن يزدري فيه العالم من العنصرية والتمييز العرقي، ومن غير اللائق ونحن في الألفية الثالثة أن نتعصب لأصولنا ونقدس القبيلة والعائلة ونحتقر الأصول الأخرى؛ فنتنزهَ عن مصاهرة أصحابها والتعامل معهم والنظر إليهم بعين الاحتقار؛ لأننا نرى أننا من ذوي الدماء الزرقاء والطبقة النبيلة. من المعيب جداً، بل ومن غير المقبول أن نخلق الفوارق بيننا وهي معدومة، كي ننفِشَ ريشنا ونصدق أننا شعب الله المختار بحسب معاييرنا البشرية لا بمقاييس السماء.
كم أستغرب من مجتمعاتنا العربية والمسلمة التي طلع فيها فجر الإسلام منذ ما يربو على الأربعمئة والألف على يد محمد (ص) تتمة لمكارم الأخلاق، وبزغت فيها شمس التنوير منذ بداية القرن العشرين بجهود المثقفين والمستشرقين وعلماء الدين، ثم لم تبرح قيد أنملة، قابضةً على ثوابتها الموروثة وأعرافها البائدة في التفرقة العنصرية والتمييز العرقي والمجتمعي. كفانا جهلاً، وليحل الود والاحترام محل الازدراء والدونية، وليسود التسامح والسلام مجتمعاتنا التي مازالت تمزقها الطائفية والتمييز العرقي.
ناهيك عن التمييز الجنسي الذي مازال يمارسه المجتمع ضد المرأة، فيحط من مكانتها ويقوض دورها المُبين في بناء الأمم وصناعة الإنسان ونشر العلم والمعرفة، في تحيز جلي للذكر وتمييزه عن الأنثى. ذلك التمييز الذي توارثته الأجيال عبر العصور وتأبى التخلي عن إرثها المتهالك الذي لم يعد يصلح لكل زمان ومكان.
لا ينفرد عالمنا العربي والإسلامي بالإثم وحده، بل العالم كله كان ولا يزال يمارس التمييز ويدعي أفضليتهم على آخرين، فكانت العبودية شر شاهد على العنصرية، والحروب في بلدان العالم المستضعفة برهانا على التمييز العرقي وسيطرة قوى تعد نفسها العظمى لتحكم وتتسلط على البلدان التي سمتها نامية، والاستماتة في بث الفرقة بين الشعوب دليل على خطورة الوحدة والتسامح والمحبة بين الشعوب.
أنا لستُ أنت، لكنك إما شريكٌ لي في الخلق أو أخٌ لي في الدين، نعيش على أرض واحدة وتراب واحد، وما أجمل أن نحيا معا في سلام ومحبة وأن نحاول الالتقاء في النقاط المشتركة؛ فنحن وإن اختلفنا متشابهون وأصلنا واحد.

كاتبة بحرينية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .