العدد 5347
الإثنين 05 يونيو 2023
banner
كمال الذيب
كمال الذيب
محاورات مع الصديق (2) في الحب والموت والسياسة!
الإثنين 05 يونيو 2023

سألني الصديق: لماذا أراك تهرب من (الثقافي) إلى السياسي في بعض ما تكتب، وقد عهدتك منغمسا في الثقافة، فما الذي جاء بك إلى السياسة، وهي بحر لا تقوى على السباحة فيه، والثقافة يمكن أن تستوعب قضايا السياسة وهموم الناس؟ قلت: شخصيا لا أؤمن بأدب القضايا. لستُ كاتبا في منظمة العفو الدولية ولا في منظمات حقوق الإنسان، ولا في إحدى النقابات العمالية! لا أفضل الشعر المناضل ولا الرواية المناضلة، لأنهما يشبهان المارشات العسكرية، في حين أن الإبداع مثل الحياة، حر متجدد بلا قيود، بلا التزامات آيديولوجية مفروضة، وأساس الكتابة يكمن في الحرية الداخلية، لذلك عندما أحب أن أعبر عن رأي سياسي، لا أكتب في الأدب، بل أكتب مقالا سياسيا باختصار ووضوح.
قال: ولماذا تعود دوما إلى الكتابة عن الحب والموت باستمرار، وكأنهما وجهان لعملة واحدة فيما تكتب هذه الأيام؟ قلت: الحب هو أكثر تجارب الحياة مساسًا بإنسانية الإنسان، تماما مثل الوجود والعدم، فما الحب إلا انتصار على العدم وانتصار للحياة، وعندما يكون الحب قويًا فإنه يتصف بعمق يمكن أن يصِل إلى اللانهائية، أما الموت فقد يكون انتصارًا للحب والتضحية بالذات. والإنسان يشقُّ عليه أن يواجِهَ سرَّ الموت، لكنه يدرِك في نهاية الأمر أن الموت ينطوي على سر فريد هو الحب النابِع من الحياة الأبدية. ولابد من أن نفقد الحياة لكي نظفر بها ظَفَرًا كامِلاً. لذلك فالحب والموت لا ينفصِلان، غير أن الحب أقوى من الموت، ولهذا يستمر في الموت الاتصال الروحي بهؤلاء الذين نحبهم حتى بعد المغادرة.. بل إنه قد يزداد توثقًا، وذلك لأنه اجتاز أضحية الحب العظمى التي هي “الموت”.
قال الصديق: لماذا عندما تتحدث عن الموت أراك تقدمها كمرادف للجمال والبهجة. ألا ترى في ذلك مفارقة؟ قلت: أعتقد أن الأمر كذلك لأن الموت هو لحظة التنوير العظمى، والإنسان يتحرر من خلال الموت من ملامحِه الفظَّة القبيحَة، فيتحول إلى السمو الروحي. ألا ترى في بعض الوجوه التي قضت أنها تحمل مسحة من جمال عجيب؟!
* كاتب وإعلامي بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .