العدد 5349
الأربعاء 07 يونيو 2023
banner
السلام على الأرض.. قراءة جديدة
الأربعاء 07 يونيو 2023

تمر هذه الأيام ستة عقود على رحيل الحبر الروماني الأعظم، البابا يوحنا الثالث والعشرين، والذي عرف بالبابا الجد أو البابا العجوز، وقد كان مثالا في الطيبة والعطف والحنان.
لماذا نتذكر هذا الرجل اليوم، ويتذكره العالم أجمع معنا، سيما في هذه الأوقات التي يكاد السلم والأمن الدوليان يذهبا أدراج الرياح، خصوصا مع الحديث المتزايد عن دخول العالم دائرة المخاوف من اندلاع حرب عالمية نووية، جراء المواجهات الدائرة بين روسيا وأوكرانيا؟ الشاهد أنه في حبريته القصيرة (1958 - 1963) أصدر البابا يوحنا الثالث والعشرون ثماني رسائل عامة، إحداها اعتبرت غاية في الأهمية للبشرية جمعاء، وجاءت تحت عنوان "السلام في الأرض"، ولم يوجها لأبناء الطائفة الكاثوليكية أو المسيحيين في المسكونة، إنما وجهت للعالم برمته، والذي كان على وشك الاشتعال نوويا، بعدما اكتشفت الولايات المتحدة الأميركية، أن الروس يقومون بنقل صواريخ نووية وتركيبها في جزيرة كوبا، أي على مرمى حجر من ولاية فلوريدا الأميركية، الأمر الذي اعتبر تهديدا للأمن القومي الأميركي.
كانت رسالة سعيد الذكر البابا يوحنا الثالث والعشرين تتركز حول أربع نقاط جوهرية، باعتبار أن السير على دروبها يستجلب السلام على الأرض وتتكون من: أولا: مركزية الكائن البشري، الذي يتمتع بحقوق غير قابلة للتصرف، أي أن أحدا لا يمكن ولا يجب أن يسلبه حقه في الحياة أو الأمن، الأمان أو السلام الباطني والخارجي، وهو أيضا صاحب واجبات ينبغي عليه القيام بها، من أجل الوصول إلى حالة السلام الشامل والكامل هذه.
ثانيا: الخير العام الذي ينبغي البحث عنه وتحقيقه في كل الظروف، وجميع الأماكن، أي البحث عن صالح البشرية بشكل واسع وبدون حدود آيديولوجية أو صراعات دوجمائية، تنتقص من هذا الخير لأسباب وذرائع براجماتية، تسعى لتعظيم الذات وأرباحها، على حساب الاقتطاع من مساحة فرص الآخرين في حياة طيبة على كل الأصعدة. ثالثا: الأسس الخلقية للنشاط السياسي، بمعنى أن تكون السياسة نشاطا أخلاقيا قبل أن تكون مجالا للأعمال السفلية التي لا تولد إلا الخصام والحروب، وتباعد بين الإنسانية وبين عالم السلام من خلال الصراع على المصالح الضيقة ونسيان الهدف الأكبر لوجود الإنسان على الأرض، أي النماء والازدهار وعمار الأرض. 
رابعا: قوة العقل والمنارة المضيئة للإيمان، أي أن عالم السلام هو ثمرة أفكار عقلية تؤمن بالقوة الناعمة، أكثر من ميلها البشري الطبيعي للقوة الخشنة، ولا عالم من السلام بدون منارات إيمانية تضيء للجالسين في الظلمة وظلال الموت. 
تدعو رسالة "السلام على الأرض" لا كاثوليك العالم فقط بل البشر كافة، أصحاب النوايا الصالحة، والنوايا الإيجابية الخلاقة إلى تعظيم دورهم في الحياة السياسية العامة والأنشطة البشرية الرئيسية، الدولية منها والإقليمية، عطفا على المحلية من أجل تعظيم الخير العام، وتحقيقه في الحال والاستقبال. 
ستة عقود انقضت على وفاة البابا يوحنا الثالث والعشرين، والذي تضعه الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في مرتبة عالية بين أحبارها المعاصرين في النصف الثاني من القرن العشرين، ولا يزال العالم بحاجة ماسة للتوقف مليا وجليا أمام استحقاقات تلك الوثيقة، سيما أن إرهاصات الحرب الباردة تخيم من جديد على سماوات العالم، والكرة الأرضية تعاني من جديد الكثير من التوترات والحروب والنزاعات المسلحة، وإن كان هناك الملايين حول الأرض يؤمنون بعد بأن هناك فرصة لأن يسود السلام عوضا عن الخصام، وأن يحل العدل عوضا عن الظلم، وأن تبعث الحرية بأشعتها حيثما الاستبداد والقهر. 
هل البشرية بحاجة اليوم لقراءة جديدة لوثيقة "السلام على الأرض"؟.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية


 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .