العدد 5362
الثلاثاء 20 يونيو 2023
banner
لاتزال الصحافة تتنفّس... فأي نموذج أنسب للربح؟
الثلاثاء 20 يونيو 2023

ينتهي مؤتمر صحافي، فأنتظر عبارة زميلي التي عادة ما يلفظها عقب كل مؤتمر وهو يقلب ناظريه في الحضور بامتعاض، مختتماً بإشارة بذقنه للمؤثرين والمدونين الذين يملؤون القاعة: هل نتساوى بهؤلاء الأطفال؟

ثم يسرد مجده الغابر حينما كان قبل عقد ونيف، يدفع باب أي مسؤول بقدمه ليدخل دون استئذان، صارخاً: أريد مقابلة ذلك المسؤول الذي يتهرب من مقابلة الصحافة، أنا أحمل شكاوى الناس وقضاياهم.

هاهو اليوم يُدعى للمؤتمرات بغير اهتمام كبير به، وسط شباب غريب الأشكال والأطوار، يسميهم الأطفال، ويعرفهم الجمهور باسم المؤثرين والمدونين.

سيسعد زميلي لو قرأ تقرير الأخبار الرقمية لعام 2023 عن "معهد رويترز لدراسة الصحافة" التابع لجامعة أكسفورد، والصادر بالإنجليزية مؤخراً لتشريح المشهد الإعلامي العالمي، مستعرضاً أثر الانكماش والتضخم على إيرادات وسائل الإعلام بأنواعها، واستكشاف اهتمامات الجمهور وفهم نمط استهلاك الشباب منه للأخبار، بالإضافة لرصد اتجاهات ورؤى صعود الفيديو والبودكاست.

علاوة على أنه يعيد للصحافة اعتبارها، تكمن أهمية التقرير في أنه الأضخم من حيث استقرائه بيانات استطلاعات  لمؤسسة "YouGov"  المهتمة بأبحاث السوق وأجرتها من قارات الدنيا الستة، متضمنة 46 سوقًا صحافيًا وإعلاميًا، وشارك في الاستطلاع نحو 93000 مستهلك للأخبار عبر الإنترنت.

التقرير مبهج بالتأكيد للعاملين في مجال الصحافة بأذرعها وأدواتها المختلفة، التقليدية والرقمية.

تُظهر البيانات أنّ نحو 52% من المشاركين في الاستطلاع، يلجأون إلى وسائل الإعلام الرئيسية أو المصادر المتخصصة للحصول على معلومات حول الشؤون المالية الشخصية أو الاقتصادية، مع قيام مؤثري وسائل التواصل الاجتماعي والمبدعين بدور ثانوي نسبيًا قدره 12% فقط.

ورغم ظهور منافسين شرسين، إلا أنه في ساحات فيسبوك وتويتر، لا تزال وسائل الإعلام والصحافيون فيها ـ وفق التقرير ـ هم المصدر القائد للأحاديث والمناقشات، خلاف الأشقاء الصغار للموقعين الكهلين.

فالمؤثرون والأشخاص العاديون هم الأبرز إخبارياً على إنستجرام وسناب شات، أما "تيك توك" المقلق، فالناشرون يدخلونه وهم يقدمون قدماً ويؤخرون أخرى، بسبب المخاوف من هيمنة الحكومة الصينية عليه، كما يتخوفون من خديعة الدخل الوهمي عليه، فيما يقتحمه "الأطفال" بالأخبار والمحتوى الإخباري المثير.

اللافت أن أخبار الاقتصاد والمحليات تقدمت على الأخبار السياسية الدولية المتعلقة بالصراعات والحروب، يبدو أن الناس ضاقت وضجت من الأخبار المفزعة.

لربما يلاحظ أحدنا أن حجم التفاعلات مع محتواه على شبكات التواصل قد تراجع، لا تحزن، فلست وحدك، كما يؤكد التقرير بأن مستويات المشاركة والتعليق على المنشورات المتعلقة بالأخبار عموماً تراجعت نسبتها عما كانت عليه قبل سنوات.

يعني ذلك ببساطة أن شبكات التواصل لم تعد البيئة الأمثل لناشري المحتوى كما كانت، سواء كانت مؤسسات أو مؤثرين، رغم أن فيسبوك بات يتساهل مؤخراً مع نشر الروابط التي تقودك لمواقع إخبارية خارجية، وتتيح خوارزمياته الوصول لأكبر قاعدة ممكنة.

أين نذهب إذن؟

يحاول ناشرون البحث عن نموذج للربح، الاشتراكات والعضويات في مواقعهم هي الفكرة القريبة من المتناول، يقودك محرك البحث إلى موقع الفايننشيال تايمز حينما تبحث عن خبر ما، تقرأ سطوراً مغرية من الخبر، ثم يتوجب عليك الدفع لاستكمال القراءة بلهفة.

تتطلب هذه الطريقة محتوى متفرداً معمقاً ممتازا، فضلا عن مشتركين بالملايين، "نيويورك تايمز" مثلا لديها أكثر من 6 ملايين مشترك رقمي فقط لمنتجاتها الإخبارية وحدها.

نموذج الدفع مقابل القراءة، في تقديري، يحتاج لقاعدة واسعة من المشتركين في منطقة كبيرة الحجم.

تظل الكلمة المكتوبة مع كل هذا هي القائدة والرائدة، حتى المحتوى المشاهد أو المسموع، يحتاج لعبارات جذابة وأنيقة ورشيقة تغريك لفتح الروابط والاستماع أو المشاهدة.

لا زالت الصحافة تتنفس، إذن، ومكتوب لها الحياة بمساهمات المستفيدين من بقائها على قيد الحياة.

كاتب صحافي ومتخصص في الاقتصاد الرقمي

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية