العدد 5376
الثلاثاء 04 يوليو 2023
banner
عاصمة النور تحترق بالنار..ركود أكبر من هذا سيضرب فرنسا
الثلاثاء 04 يوليو 2023


كذبة صغيرة، كان هدفها إنقاذ شرطي قاتل، فإذا بها تصب الزيت على النار المشتعلة في الصدور والميادين.
كان بالإمكان احتواء حادثة قتل الشاب "نائل" ـ الفرنسي من أصول جزائرية ـ لولا أن صبت عليها النار كذبة أن "القتل جرى لأن نائل هدد حياة قاتله الشرطي".
مروج تلك الكذبة يعيش خارج العصر بالتأكيد، إذ لم ينتبه إلى أنه صار في عصر باتت كل الأمور مكشوفة، بفضل التقنيات الحديثة وأدواتها العديدة.
هاهي باريس مشتعلة، لا بسبب جريمة القتل العنصرية وحدها، بل كذلك بسبب تلك الكذبة التي تورطت في ترويجها وسائل إعلام فرنسية للأسف.
باريس عاصمة النور تحترق بالنار، فيما يتجاوز الدين العام في فرنسا للمرة الأولى عتبة الثلاثة تريليونات يورو في الربع الأول من العام الحالي، مسجلا 112.5 % من إجمالي الناتج المحلي، مقابل 111.8 % نهاية ديسمبر الماضي، بحسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية "إنسي".
لا يبدو أن الحكومة الفرنسية ستنجح في خطتها الرامية لخفض الديون، كما أعلنت قبل شهرين، إذ ستؤدي الاحتجاجات الراهنة بخسائرها الفادحة ـ ولا ريب ـ إلى تباطؤ النمو.
ويمكن أن يظل عجز الميزانية في نسبته المتوقعة للعام الحالي ("4.9" %)، إن لم تزد النسبة، مقابل 4.7 % العام الماضي، وكان مأمولا تخفيض النسبة خلال العامين القادمين إلى أقل من ثلاثة بالمئة.
ستنجلي احتجاجات فرنسا ـ بالتأكيد ـ عن خسائر لا يمكن تقديرها، إلا بعد حصر دقيق، لحجم ومدى التخريب الذي شهدته البلاد.
يمكن القول ببساطة إنها لن تقل عن مليارات الدولارات في مجمل خسائرها المباشرة وغير المباشرة، وستظهر نتائجها على الاقتصاد الفرنسي عموما في المديين القريب والبعيد.
أول الخاسرين كانت شركات الطيران والسياحة الفرنسية، التي شهدت موجة إلغاءات لحجوزات سياح كانوا يعتزمون قضاء إجازات الصيف فيها.
سيدرك المواطنون الفرنسيون المحتجون مدى وطأة ما فعلوه ببلادهم، حينما تجد الحكومة الفرنسية نفسها مضطرة لإجراءات اقتصادية قاسية تعويضا لآثار التخريب، ربما تضاعف من نسب الركود والتضخم، لا في فرنسا وحسب، ولكن في أوروبا كلها.
ولا تبدو وسائل التواصل الاجتماعي بريئة تماما من إذكاء النار التي اندلعت بعاصمة النور، فقد روج كثيرون، ومنهم وسائل إعلام ومؤثرون، شائعات على مواقع التواصل أججت الاحتجاجات، فيما كان القصد نفيها، أو التساؤل بشأن صحتها.
وقعت وسائل الإعلام الأميركية في ذات الخطأ من قبل، في تغطيتها لاحتجاجات أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب على خسارته للانتخابات الرئاسية، إذ حملت وسائل الإعلام في منصاتها الالكترونية أخباراً زائفة على هيئة تساؤلات عن مدى صحتها.
كان الغرض ـ المتلبس برداء بريء ـ خبيثاً ماكراً، وهو ركوب "الترند" المحمل بأنباء ساخنة، تحقق رواجا لتلك المنصات على الانترنت.
وفي أحداث فرنسا، لم يتعلم أحد الدرس، لا الحكومة الفرنسية ولا مواطنوها..
فاحتجاجات شبيهة بما تحترق به فرنسا اليوم، وقعت من قبل عام 2005، لسبب قريب مما أشعل احتجاجات اليوم، وهو عنف الشرطة الفرنسية.
والمواطنون الفرنسيون من أصول عربية، والمشاركون في تلك الاحتجاجات، لم يتعلموا بدورهم الدرس، فلقد طالعوا بالتأكيد وقائع ما جرى في بلادهم من خلفهم في سنوات الاحتجاجات التي لا تزال تصطلي بها بعض البلدان العربية..
ولولا نجاح حكومات عربية في احتواء بعضها، لتسعى لإصلاحات جذرية، لتدحرجت كرة اللهب إلى قاع سحيق، تكتوي به دول ديمقراطية عتيدة اليوم.
يخبرنا التاريخ أن فرنسا صاحبة السجل الحافل بالثورات الأناركية الدموية، لم تحصد بتعجل التغيير، أكثر مما حصدته بريطانيا صاحبة الثورات السلمية المتدرجة.
يخبرنا التاريخ أن فرنسا صاحبة المقصلة الشهيرة، شهدت عودة حكم آل بوربون رغم كل ما جرى من محاولات الاجتثاث عقب الثورة الفرنسية.
استمرت الثورة الفرنسية عدة عقود حتى استقرت مبادئ الجمهورية الفرنسية، فيما استقرت مباديء مملكة بريطانيا العظمى في توقيت مقارب بفاتورة دموية أقل بكثير.
وفي الأخير، النتيجة واحدة: نهضت الدولتان اقتصاديا بعد إصلاحات سياسية متوالية.
فمن يعي دروس التاريخ بضرورة ترسيخ الإصلاح السلمي الذي تبادر به حكومات، ويسعى إليه مواطنون؟

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية