+A
A-

15 حلقة من اختبار الصبر

لحظة.... أشعر وكأني شاهدت هذا المشهد من قبل!
هل اختبرته في عالم موازٍ؟ أم مرّ عليّ في أحد الأحلام؟!!
لا هذا ولا ذاك... لقد شاهدته في فيلمٍ آخر

فلنتفق بداية على أنه تكاد لا توجد حاليًّا أيّ فكرة من الفراغ، لا يوجد عمل سينمائي أو درامي واحد خالٍ تمامًا من التّأثّر بغيره، فالأعمال الفنية في الدراما والسينما مستوحاة باستمرار، بعضها من بعض، لكنّ بعض صانعي الأفلام والأعمال الدرامية لا يجتهدون حتى في التعديل على العمل بعد الاقتباس منه، وبالطبع لا يذكرون العمل الأصلي كمرجع أو ملهم، مما يضع أعمالهم ضمن توصيف "السرقة"، وقد أصبح مفهوم الحبكات المسروقة أكثر شيوعًا في الوقت الحاضر، وعلى مدى عقود من الزمن كانت الأعمال تتطوّر وكانت سرقة الأعمال تتطوّر معها، مما يجعل تعقب الموضوع أكثر تعقيدًا.


وسواء أكنت من محبي التلفاز أم من المشاهدين العاديين، فلن يرضيك اكتشاف أن ما تشاهده هو سرقة ليس إلّا، خصوصًا أنك غالبًا ما تقع عليه بعد طول تحرٍّ لتقرّر متابعته، وتزداد خصوصية الأمر وأهميته في شهر رمضان الذي يُنتَظَر طوال عام، حيث إنّ تحديد ما تريده يغدو أكثر صعوبة، هل تفضّل الدراما؟ أم تميل للإثارة والتشويق والجرائم؟ أم ترغب بالاسترخاء مع الأعمال الكوميدية؟ أو قد تكون من محبي الكلاسيكيات؟ أيًّا يكن ما تريد فيمكنك استعراض قائمة طويلة من الأعمال المخصصة للعرض في الموسم الرمضاني تحديدًا، والبحث عن الأفضل لك لمشاهدته، لكن هنا يمكنني أن أخبرك عن عملٍ ليس مسروقًا فحسب؛ بل لا يستحق المشاهدة أيضًا.

تلت التلاتة مسلسل للمخرج الشاب حسن صالح والكاتبة هبة الحسيني تم عرضه في موسم رمضان 2023، بطولة غادة عبد الرازق، محمد القس، مي سليم، ليلى أحمد زاهر، صلاح عبد الله وآخرين، في هذا العمل الذي يتكون من 15 حلقة والمأخوذ نصفه الأول مباشرة وبشكل صريح من الفيلم الدنماركي Loving Adults إنتاج 2022 للمخرج Barbara Rothenborg عن رواية Kærlighed for voksne للكاتبة Anna Ekberg، لم تتأثر هبة الحسيني بفكرة Loving Adults فحسب، بل قامت بنسخ الحبكة الأساسية بالإضافة إلى العديد من المشاهد وحتى الحوارات، وحيث إنه يصعب على المخرج تقديم هذه النسخة والتي هي طبق الأصل اعتمادًا على السيناريو وحده، فعلى الأرجح أنه شاهد الفيلم أولًا.


دعونا نستعرض ونقارب بين العملين
يبدأ العملان بمشهد للزوجة مع صوت للراوي (في الفيلم يكون صوت المحقق وفي المسلسل يكون صوت الزوجة) وتبدأ الزوجة بممارسة رياضتها الصباحية، حيث تركض في Loving Adults وتركب الدراجة الهوائية في تلت التلاتة.
تدور أحداث Loving Adults وتلت التلاتة حول علاقة زوجية غير سويّة، يمتلك الزوج شركة إنشاءات بينما تتفرّغ الزوجة للعناية بابنهما المريض، يقع في كلا العملين الزوج بمشاكل مالية تهدّد بحبسه وتكون زوجته طرفًا في المشكلة، في العملين تبدأ الزوجة بالشّكّ بأن زوحها على علاقة بأخرى بسبب رسائل نصية تصله في وقت متأخر من الليل، في الحالتين يدّعي الزوج أن المرسل شريكه في العمل وهو صديقه المقرب، (الحلقة الأولى الدقيقة 8 في المسلسل / والدقيقة 4 من الفيلم)، لتكتشف الزوجة بعدها بأيام أنه يخونها مع موظفة عنده في الشركة، وفي لحظة تمسك به متلبّسًا ويحدث ذلك بمشهدين يبدوان مختلفين لولا ردة فعل العشيقة غير المألوفة في مثل هذه المواقف، حيث تقترب الزوجة في Loving Adults من مكان اللقاء وتضبطهما في لحظة العلاقة الحميمية في المكتب (الدقيقة 19)، بينما في المسلسل يكونان في الشقة في لحظة رومانسية (الحلقة الأولى الدقيقة 29)، وفي الحالتين تنظر العشيقة في عيني الزوجة مباشرة وتبتسم لها بشكل مستفز بينما لا يلحظ الزوج وجودها.

في اليوم التالي تحدث المواجهة بين الزوجين وتذكر الزوجة تلك النظرة أثناء المشادة بينهما، تطرده من البيت وتهدّده بالحبس إذا لم يترك عشيقته (الحلقة الأولى الدقيقة 32 في المسلسل والدقيقة 24 في الفيلم).
على إثر ذلك يخطط الزوج في العملين لقتل زوجته دهسًا بسيارة غير سيارته أثناء ممارستها للرياضة الصباحية، ينتظرها في مكان مخفي بجانب الطريق الذي تسير فيه عادةً، يسرع بشكل كبير يدهسها ويوقف السيارة لينظر في المرآة على يساره ويكتشف أنها مازالت على قيد الحياة فيرجع ليدهسها مرة أخرى بشكل عكسي، في مشهدين متماثلين، حيث تدهشك تلك الصرخة التي يطلقها الزوج في المرة الثانية فهي تكاد تكون صادرة من نفس الشخص من شدة التطابق (الحلقة الثانية الدقيقة 6 في المسلسل والدقيقة 2 في الفيلم)، يذهب بعدها مباشرة إلى الشركة فيلتقي عامل النظافة ويبين له أنه في المكتب طوال الليل ثم يعود للبيت باكرًا (الحلقة الثانية الدقيقة 8 في المسلسل والدقيقة 48 في الفيلم)، ليتبين أنه دهس امرأة أخرى وذلك بعد أن يلتقي بزوجته هناك ويسقط الكأس الذي بيده ويكسره من هول المفاجأة (الحلقة الثانية الدقيقة 9 في المسلسل والدقيقة 50 في الفيلم) ويظهر لنا بعد ذلك أن الضحية في Loving Adults تكون امرأة غريبة بينما في تلت التلاتة تكون أخت الزوجة.

تكتشف الزوجة الخطة من خلال شريط تسجيل لكاميرا أحد المحلات، فتواجه زوجها وتطلب منه مقابل السكوت عن جريمته أن يقوم بارتكاب جريمة أخرى بقتله عشيقته في حوار متماثل يدور بينهما تتحدث فيه الزوجة عن العدالة وأنها ستكون شريكته في الجريمة (الحلقة الرابعة الدقيقة 20 في المسلسل والدقيقة 73 في الفيلم)، تخطط الزوجة لعملية القتل وترتب حجة الغياب للزوج وهي متطابقة في العملين حيث ينزلان في فندق ويتحايلان على العاملين هناك لإثبات وجود الزوج طوال الليل، ففي مشهدين متطابقين تمامًا توهم الزوجة موظف خدمة الغرف أن زوجها في الحمام يستحم ونسمع صوت الماء وتقوم الزوجة بمحادثته لتسأله عن مكان محفظته حيث إنها تصر على تقديم الإكرامية للموظف (الحلقة الرابعة الدقيقة 28 في المسلسل والدقيقة 84 في الفيلم)، وبالحركة ذاتها تقوم بتشغيل تسجيل صوتي للزوج من هاتفها ليسمع الموظف بنفسه صوت الزوج.

يفشل الزوج في أداء مهمة القتل في العملين ويقوم بدلًا من ذلك بإقامة علاقة حميمية مع عشيقته، لتظهر له الزوجة بشكل مفاجئ ومفزع في مشهدين يختلف بينهما مكان ظهورها فقط، لتقول له في جملة واحدة في كلا العملين: "كنت عارفة إنك مش هتقدر تعملها" إلا أن الزوجة في Loving Adults تقول له مباشرة بينما في تلت التلاتة ترسلها في رسالة على هاتفه قبل وصولها إليه، وتقوم الزوجة بتنفيذ الجريمة بطعنة في خاصرة العشيقة في العملين وتتخلص من أغطية السرير قبل قدوم الشرطة، وفي نهاية المطاف يتخلصان من الجثة بالحرق بمشهدين وآليتين مختلفين.
هنا ينتهي Loving Adults وتنتهي الحلقة السادسة من مسلسل تلت التلاتة، أكثر من 30 حالة تشابه بين العملين، فقد قام حسن صالح بتمرير العديد من المشاهد، بما في ذلك لوكيشنات التصوير والحوارات الأساسية، حقيقةً إنه تشابه يتجاوز الفرضية، إنها توصيفات محددة، وخطوط محددة، تركيب اللقطات وتسلسل الأحداث كلها واحدة، هذا القدر من التشابه بينهما يجعله يبدو وكأنها نسخة معرّبة للفيلم ولكن دون الإشارة إليه من قريب أو بعيد.
ومن الجدير بالذكر أن هبة الحسيني ردّت على أخبار نقلها لفكرة العمل أنها استوحتها من قصص حقيقية، وأضافت: "في ناس مش قادرة تستوعب أو تقتنع أو تصدق إننا في المجتمع العربي نقدر نقدم عمل جيد، أول حاجة تيجي في بالنا واخدنها من مين".
ليس هذا ما يدهشك ستندهش حقًّا عندما تعلم أن الكاتبة سعاد شاهين تحرّكت فعلًا لمقاضاة هبة الحسيني لسرقة "نصّها" هذا ما وصفت به السيناريو الذي هو حقيقة مأخوذ من رواية Kærlighed for voksne والتي لم تترجم عن الدنماركية أبدًا، إننا أمام فوضى أخلاقية لا يمكن تصورها.
أما عن العمل من الناحية الفنية فسيكون لنا وقفة في الجزء الثاني من هذا المقال نستعرض فيها ما يعانيه من أخطاء فنية مروعة، باعتقادي لو علم صانع Loving Adults بأمر تلت التلاتة فمن المحتمل أن يرفع دعوى ناجحة ضد كل من شارك في هذا العمل لا بسبب السرقة بل بسبب التشويه الفني والأخلاقي للفكرة الأصلية.
.... يتبع