+A
A-

د .شفاء العصفور: مرض السكري النوع الثاني.. هل تعرف أسبابه وعلاجه وكيفية التغلب عليه؟

مرض السكري هو مرض العصر الأول والأوسع انتشارًا وأحد الأسباب الرئيسية للعمى والفشل الكلوي والنوبات القلبية والسكتة الدماغية وبتر الأطراف السفلية.

ولكن برغم وحشية هذا المرض الفتاك إلا أنه يمكن أن يكون مرضًا بسيطًا ووديعًا ويمكن التعايش معه إذا أحسنا التصرف معه والتزمنا بالضوابط والتوصيات والخطة العلاجية.

مرض السكري لا يأتي بغتةً فهو يرسل رسائله التحذيرية قبل أن ينقض على ضحيته، فإذا التقط الشخص الرسائل التحذيرية وتعامل معها بجدية يمكنه أن يمنع تطور المشكلة وربما النجاة من المرض؛ ولكن إذا تجاهلها ولم يغير نمط حياته فمصيره يكون لأسوأ الاحتمالات، فالرسائل التحذيرية الأولى تبدأ مع مرحلة ما قبل السكري وهي مرحلة يمكن فيها النجاة من السكري؛ ولكن إذا عاش الشخص اللامبالاة سيدخل حتماً في مرحلة السكري من النوع الثاني وهي مرحلة حساسة جدًا، ففيها يصنف الشخص على أنه مصاب، وقد تكون مرحلة انتقالية إلى السكر من النوع الأول وللاعتماد على الأنسولين وحينها تكون مرحلة اللا عودة، ولأهمية مرض السكري من النوع الثاني كونه مرحلة مصيرية وللمساهمة في الوعي المجتمعي وتعريف المريض بمرضه بصورة مبسطة تساعده على التغلب عليه ومنع وصوله إلى مراحل متقدمة. كان لصحتنا لقاء مع د. شفاء العصفور الباحثة في مرض السكري ومضاعفاته في اختصاص دور الخلايا المناعية في حدوث مرض السكري ومضاعفاته في مايو كلينك-أميركا

ما مرض السكري النوع الثاني؟
هو النوع الأكثر تفشيًا إذ إنه يشكل نسبة أكثر من 95 % من الأنواع الأخرى. يمكن للإنسان أن يصاب بهذا المرض في أي مرحلة عمرية كانت إلا أنه أكثر حدوثًا في الفئات البالغة، ويعد ارتفاع الوزن والسمنة المفرطة عاملي خطر رئيسين للإصابة بهذا النوع بالإضافة لعوامل أخرى كالعامل الوراثي وتقدم العمر ونوع العرق البشري والضغط النفسي.


عندما نزود أجسامنا بأكثر من حاجتها من الأكل والشراب، فإنه يخل بالنظام الحيوي الذي قرره الله تعالى لنا والذي يتجلى بحدوث مشكلتين عضويتين تحدث تدريجيًا خلال تطور مرض السكري النوع الثاني: الأولى، هي أن خلايا الجسم لا تستجيب لهرمون الإنسولين كما يجب ويطلق عليه علميا مصطلح مقاومة الأنسولين. والثانية، عندما لا تنتج خلايا لانجرهانز البنكرياسية الإنسولين بشكل كاف لمساعدة السكر لدخول الخلايا واستخدامها لإنتاج الطاقة. مرض السكري النوع الثاني مرتبط أيضًا باختلال باقي هرمونات منظومة تنظيم السكر أثناء الأكل.  


إذًا كل هذه الهرمونات بالإضافة إلى هرمونات أخرى لم يسعنا ذكرها هي منظومة تتحكم برفع وتقليل نسبة السكر عن طريق تنظيم شعور الجوع والشبع بواسطة الدماغ، التحكم بإدخال السكر للخلايا وتنظم تصنيع السكر بالكبد وإخلاء الطعام من المعدة للأمعاء.


متى يكون المريض عرضة لمضاعفات مرض السكري؟
عندما لا يشخص المرض في وقت مبكر وبسبب عدم المحافظة على تنظيم مستوى السكر بالدم الناتج عن عدم الالتزام بالأدوية أو التقصير بمراجعة الطبيب الدورية لتحديث الإستراتيجية العلاجية.  


ما هي مضاعفات المرض؟
أهمها مرض تصلب الشرايين، السكتة الدماغية، الفشل الكلوي، تلف الأعصاب، الكبد الدهنية الغير كحوليه، العمى، شلل أو خزل المعدة، الغرغرينا وغيرها.


هل يمكن الشفاء من مرض السكري؟
هو مرض معقد جدًا ولا زال العلماء والباحثون يحاولون فهم كيف ينشأ المرض وكيف يصل المريض إلى مرحلة المضاعفات وكيف يكون بإمكانهم منع المضاعفات أو الحد منها. وإذا استطاعوا حل ذلك أو البعض فمن الممكن أن يكون هناك شفاء وليس على الله بعسير، على الرغم من بعض سلبيات عمليات السمنة، إلا أنها قد تكون مصدر شفاء لبعض المرضى.  


إذًا حتى الآن لا يوجد دواء يقضي على مرض السكر وإنما هناك علاجات تحد من المرض فقط، أي تساعد علي تحسين مستوى السكر بالدم لتلافي مضاعفات المرض. وعلى من يعتقد بأنه مصاب بمرض السكري أن يبادر بسرعة الفحص؛ لأن التشخيص المبكر لاختلال السكر بالدم يخلق أملا كبيرًا لمنع تقدم المرض وبالتالي منع حدوث المضاعفات.


ما هي علاجات مرض السكري وما هي فوائدها؟
بشكل عام الإستراتيجية العلاجية لمرض السكري النوع الثاني هي خفض السكر بالدم، تقليل مقاومة الإنسولين ورفع مستوى الإنسولين بالدم. ولكن تختلف استراتيجية العلاج من شخص لآخر، وذلك حسب استجابة الجسم لنوع الدواء، فمنهم من يحتاج إلى نوع واحد من الأدوية أو أكثر للوصول إلى مستوى السكر الطبيعي أو ما يقاربه. وكل علاج يبدأ بمراعاة اختيار الأكل الصحي الملائم لجسم المريض وخفض وزن الجسم وممارسة الرياضة.  


وهذه هي أقسام الأدوية التي تمت الموافقة عليها من قبل منظمة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) وهي:


• ميتفورمين (Metformin): حبوب تساعد على تقليل انتاج السكر بواسطة الكبد.
• غيلتازونز (Glitazones): حبوب تساعد على نقل السكر من الدم إلى الأنسجة العضلية والدهنية أي تقلل من مقاومة الإنسولين. إلا أن rosiglitazone وهو دواء يندرج تحت هذا القسم، تم سحبه من الأسواق في ألمانيا وفرنسا بسبب أثره السلبي حيث إنه يزيد وزن الجسم وقد يسبب فشل القلب وبالتالي ينقص من عُمر المريض.
• حاصرات النشا (Starch blockers): تقلل من امتصاص النشا من القناة الهضمية
• علاجات معتمدة على الإنكرتين (incretins dependent therapy): حبوب وحقن تقلل من إنتاج السكر بواسطة الكبد وتقلل معدل إخلاء المعدة من الطعام فبالتالي تزيد من الإحساس بالشبع لفترة أطول.
• نظير الأميلين (Amylin Analogues): تقلل من إنتاج السكر بالكبد وتقلل من امتصاص الطعام.
• الإنسولين (Insulin therapy): حقن ترفع من مستوى هرمون الإنسولين.


من الممكن أن تتضمن الإستراتيجية العلاجية دواء واحد أو أكثر للوصول إلى مستوى السكر الطبيعي بالدم وبالتالي الحد غير المباشر من مضاعفات السكري.  


هل تقلل هذه الأدوية من مضاعفات مرض السكري النوع الثاني؟
هنا يجب أن نوضح أن أدوية السكر تثبت بناء على أثرها في تحسين مستوى السكر بالدم، ولكن يتضح أثرها على الحد من مضاعفات السكر أكثر بعد فترة من الزمن، وذلك بسبب زيادة عدد الأبحاث وزيادة عدد المستهلكين لهذا الدواء.


• لقد وجد بأن أدوية الميتفورمين تخفض الوزن وتطيل عمر الإنسان حيث أنها تقلل من الإصابة بأمراض القلب واعتلال شبكية العين، بالإضافة إلى منع مضاعفات السكري. ووجد أيضًا أنها تزيد من الخصوبة وتقي من بعض أنواع السرطان.  


• تشير دراسات إكلينيكيه أولية إلى أن دواء Pioglitazone والذي يندرج تحت قسم أدوية غيلتازونز أنه يحد من مرض الكبد الدهني الغير كحولي ويقترح بأن يجب أن يعطى للمرضى الذين هم معرضين للإصابة مضاعفات الكبد الدهني إلا أنه يجب أن يكون المريض تحت المراقبة حتى لا يكون عرضة لزيادة الوزن وفشل القلب، ولكن وجب أن نقول ما زال ذلك قيد الأبحاث.  


• حتى الآن ليس واضحًا إذا ما إذا كانت العلاجات المعتمدة على الإنكرتين تقلل من المضاعفات حيث إنها أدوية حديثة وتحتاج للمزيد من البحث؛ ولكن على ما يبدو أنها له أثر إيجابي في الحد من أمراض القلب في الإنسان، وهناك علامات تشير إلى أن هذا النوع قد يكون نافعًا لتقليل الدهون والالتهاب بالكبد الدهني الغير كحولي.  


• لقد بينت الدراسات أن حقن الإنسولين تقلل من محتوى الدهون في كبد مرضى السكر. وهناك دراسة أجريت في اليابان لمدة ست سنوات أوضحت أن العلاج المكثف بالأنسولين يمنع تطور مضاعفات الأوعية الدموية الدقيقة كاعتلال الشبكية والكلى والاعتلال العصبي.  


ما هي نصائحك وإرشاداتك للمصابين بالسكري؟
• عليك أن تفهم مرضك وفي أي مرحلة أنت، وذلك عبر التواصل مع طبيبك بالطريقة الصحيحة من خلال طرح الأسئلة التالية: ما هو مستوى السكر في الدم لدي؟ وهل أنا فعلًا مصاب بداء السكري أم أنني أعاني من مقدمات السكري؟ ويمكن لطبيبك تشخيص ذلك بناء على قراءة مستوى السكر لديك في حالة الصيام وبعد تناول الوجبات.


• في هذه المرحلة يوصى بشدة أن تتم مشاورة أخصائي التغذية وأخصائي السمنة والسكري لمساعدتك وإرشادك كيف عليك مراقبة وإصلاح عاداتك الغذائية ومراجعة نمط حياتك لمنع وصول جسمك لمرحلة المضاعفات، حيث تتعقد الأمور عندها وتقل جودة حياتك والتي قد تهدد الحياة. أما إذا تأخرت فعليك الالتزام بأخذ الأدوية كما أوصاك طبيب السكري وأيضًا مشاورة أخصائي التغذية.


• احرص علـى تدوين قياسات مستوى السكر المنزلية قبل كل زيارة إلى المستشفى لكي تساعد طبيبك في اختيار الإستراتيجية العلاجية الصحيحة، وراقب القراءة بعد كل وجبة حتى تعرف ما طبيعة الطعام الذي يزيد من مستويات السكر لديك حتى تقلله في الوجبات المستقبلية.


• لا تقارن حالتك بمريض سكر آخر ولا تتبع نفس الإستراتيجية العلاجية من دون استشارة الأخصائيين حيث إنه قد يكون لكل منكما آلية مرض خاصة.


ما سبب التفاوت في العلاج الدوائي والغذائي والاختلاف من مريض إلى آخر؟
مرض السكري مرض معقد وذلك يرجع لاختلاف آلية حدوثه من جسم لآخر. ولعل هذه الدراسة التي أجريت بمستشفى مايو كلينك بقيادة الدكتور Andres Acosta بمستشفى مايوكلينيك تدعم هذه النظرية، فقد بينت هذه الدراسة أن مرضى السمنة ينقسمون إلى أربع مجموعات بناء على النمط الظاهري للسمنة: وهي فئة الدماغ الجائع، فئة المعدة الجائعة، فئة الأكل العاطفي وفئة الحرق البطيء.

وذلك يعني أن لكل نوع آلية معينة ولذلك لعل هذا التقسيم يساعد في المستقبل إلى شخصنة العلاج وبالتالي اختيار العلاج بشكل أدق مما يساعد على منع حدوث مرض السكري النوع الثاني.