+A
A-

“البلاد” تحاور بشمي عن كتابه الجديد: من ابتكر “المهياوة”؟ هل هم البرتغاليون؟ وكيف وصلت لنا؟

  • ‭ ‬المنكهات‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬الناس‭ ‬لـ‭ ‬“المهياوة”‭ ‬بسبب‭ ‬اختفاء‭ ‬رائحة‭ ‬السمك

  • ‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬يقدمن‭ ‬“المهياوة”‭ ‬كهدية‭ ‬لزوار‭ ‬“الفريج”

  • اكتشاف‭ ‬قوارير‭ ‬بـ‭ ‬“الفيلجة”‭ ‬بها‭ ‬طعم‭ ‬سمك‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬استخدمت‭ ‬لـ‭ ‬“المهياوة”

  • “المهياوة”‭ ‬صارت‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬وفنادق‭ ‬الخمس‭ ‬نجوم

 

في لقاء جميل، مع الصحافي والكاتب القدير إبراهيم بشمي، توقفنا معه للحديث عن كتابه الجديد “المهياوة كافيار الخليج”، الذي سيكون إضافة جديدة للرف الثقافي العربي.
وأشار بشمي خلال لقائه مع “البلاد” إلى أصل المهياوة، ومنبتها، وكيف دخلت إلى البحرين والخليج العربي، لتصبح جزءًا أصيلًا من المائدة، ومكملًا رئيسا للوجبات اليومية للناس.
وأوضح أن الكتاب سيكون بحدود 150 صفحة، وهو ثمرة بحث وتقص للمعلومات على مدى 5 سنوات كاملة، مبينًا أنه سيوزع بمنطقة الخليج العربي بعد طباعته؛ وذلك للحاجة لمعرفة المعلومات الموجودة فيه.
كما ذكر أنه عرض الكتاب على 5 شخصيات مثقفة في الشأن التاريخي، وأبدوا ملاحظاتهم بشأنه، مؤكدًا أن طريقة تحضير المهياوة سترفق بالكتاب، علمًا أنه واجه تحديات في الحصول على هذه المعلومات؛ لأن البعض يعتبرها سرًا لصناعة المهنة.

 السمك المملح
وفي سياق الحديث عن مادة الكتاب قال بشمي “في سنة من السنوات، كنت في زيارة لماليزيا، وبينما كنت أتمشى في أحد المجمعات التجارية الكبرى، لاحظت أن هناك محلًا يبيع منتجات قريبة من الشوكولاته، وبأشكال وأحجام مختلفة وجاذبة، فدخلت المحل، ولكنني وفي الحال عرفت أنه ليس محل شوكولاته؛ بسبب الرائحة النفاذة للسمك.
فسألت صاحب المحل متعجبًا “ما هذا؟”، فأجابني “سمك مملح”. بدأت أتطلع للمعروضات المتنوعة والمصفوفة بعناية على الأرفف بدقة، فرأيتها بالفعل كذلك، وهي غارقة بالبهارات والصلصات الخاصة، وبعضها مصمم كقطع الشوكولاته، فسألت البائع مجددًا “كم عدد الأنواع لديكم؟”، فأجاب “100 نوع”.
فتساءلت في قرارة نفسي “ونحن في الخليج، ما نعرف نسوي إلا نوع واحد من السمك المالح، وبطريقة وحدة، معتمدة من زمن دخول البحارة البحر بموسم الشتاء”.

1 %
فالشاهد هنا، والحديث لبشمي، أن تنوع مأكولاتنا في مجال السمك المملح تحديدًا، ومقارنة بالعقل الآسيوي، لا يتخطى 1 % فقط، فظلت فكرة التنوع هذه مغروسة في عقلي، حتى رجوعي إلى البحرين، ويومها لفت انتباهي موقف، إذ ذهبت ذات مرة إلى سوق السمك بالمنامة، فإذا بشخص يبيع السمك المالح، وكان الوحيد حينها في البحرين.
فكان يعرض للزبائن أكياسًا مختلفة الأحجام، بها سمك الصافي، والشعري، والروبيان المجفف، وكلها مملحة، كما يعرض أيضًا الكنعد العُماني، والمجهز بالطريقة العُمانية، وحينها قال لي البائع بيأس “يا ريت الناس تشتري، محد يجي”.

أصل المهياوة
وأردف بشمي: أسئلة كثيرة تراكمت بداخلي، من أين جاءت المهياوة؟ هل هي من فارس؟ أم من بقعة في الخليج العربي؟ أم من مكان آخر لا نعرفه؟ فبدأتُ أتقصى هذا الأمر، وأبحث فيه بشكل مطول ومستفيض، لـ 5 سنوات كاملة، كانت ثمرتها هذا الكتاب.
الاستكشافات
وتابع: ومع مرور الوقت، اتضح لي أن أصل المهياوة يرجع إلى زمن الاستكشافات الاستعمارية البرتغالية في الهند.
ولقد كانت سفنها تمر على منطقة الخليج وهي بطريقها إلى هناك، وكان المسؤول عنها ما يسمى بـ “البوكريك” الذي كان يحرق السفن التي تحمل المسلمين، ويقتلهم، ويستبيح أي مدينة تكون على الساحل.
والأمر اللافت بالبعثات الاستعمارية البرتغالية، هو الاستيلاء على ثروات المنطقة، وقتل المسلمين بعنف شديد، وكان في كل بعثة استكشافية أو استعمارية، 12 مبعوثًا يتبعون مباشرة الملك البرتغالي، ولا يخضعون لأوامر قائد السفينة، أو لمن معه.
وكانت مهمتهم الرئيسة كتابة تقارير لكل ما يحدث في الرحلة الطويلة التي هم بها، بحيث وفروا لنا كمًا هائلًا من المعلومات، ومن خلال الكتب التي قاموا بتأليفها، منها أصل نشأة المهياوة. 
ومما ذكر بهذه المكاتبات، هو إرسال “البوكريك” مندوبا ومعه مبلغ من المال و32 جرة بها ماء السمك إلى الجبوريين، الذين كانوا يحكمون المنطقة آنذاك، ووصف المبعوثون ماء السمك هذا بأنه “المهياوة”، فصرت أبحث في هذا الشأن، وباهتمام.
وتبدأ القصة في إحدى المكاتبات التي وثقها المبعوثون البرتغاليون، عما كان يتعرض له البحارة البرتغاليون وغيرهم آنذاك، والذين كانوا يدخلون للبحر لفترة طويلة تزيد عن السنتين، حيث كانوا يتعرضون، مع الوقت، لخلخلة بأسنانهم وتساقطها، جراء مرض يسمى “الإسقربوط” والذي يصاب به البحار، بسبب النقص الحاد بفيتامين “سي”.

القاروم
ويكمل بشمي: وكان غيابهم الطويل بالبحر، بسبب مساعي الدول الاستعمارية حينها، ومنها البرتغال، للسيطرة على ثروات الشعوب ومقدراتها، ومنها مصائد الأسماك الغنية، والأملاح الصحية والغذائية الموجودة في أماكن معينة في البحار.
وكان البرتغاليون يسعون للحصول على مادة مناسبة، يستطيعون حملها معهم على ظهر سفنهم، لتوفير حاجتهم من الفيتامينات، وتكون صالحة للاستخدام لفترة طويلة لهذا الغرض، ولحفظ الطعام.
فبدأوا يأخذون الأسماك الصغيرة، ويخلطونها ببعض القطع من الأسماك الكبيرة، ويردمونها بشكل كامل بالملح، ويشمسونها إلى أن تتخمر، وتتحول إلى نوع من أنواع عصير السمك الذي يسمى بـ “القاروم” ليستخدم في الطبخ، وعلى السلطة، وفي كثير من المأكولات.
ومع الوقت، بدأوا يكثرون من استخدام هذه المادة، والتي تحولت إلى صلصة أسماك، لتكون باكورة المهياوة.
ولقد كان انتشار المهياوة في الخليج ببادئ الأمر محدودًا للغاية، حيث اقتصرت على القادمين من بر فارس، وذلك في فترة الستينات من القرن الماضي. وأثناء الصراع ما بين حركة العرب القومية ضد أطماع شاه إيران، ومحاولة فرض وجوده بالمناطق العربية، أصبحت “المهياوة” من الأكلات المرفوضة؛ لأن البعض كان يعدها صناعة إيرانية، ولم يكن يأكلها إلا من يصنعها فقط. في حين أن نشأتها الحقيقية وأصلها جاء من البرتغاليين، كما أسلفت.

هدية زائر الفريج
 وفي الخليج، كانت السيدات اللاتي يصنعن “المهياوة” في البيوت، يقدمنها كهدية لزوار “الفريج”، حيث كان كثير منهم يعجبون بطعمها، مع ما يرافقها من بصل، وبقل، وخبز، الأمر الذي ساعد في كسر “التابو” بشأن نعتها بأنها فارسية. 
وفي الإمارات، على سبيل المثال، كانت المهياوة موجودة أيضًا، بشكل أقرب إلى البودرة، حيث ترش على الأرز، لتمنح الأكل نكهة لذيذة ومميزة، ولقد كان انتشارها واسعًا بالمدن الإماراتية، منها أم القيوين.
ومع الوقت وصلت إلى البحرين، وبدأت تنتشر تدريجيًا، حتى أصبحت من ملذات المائدة البحرينية، مع رائحتها الزكية، وتنوع أشكالها.
وأشير هنا، إلى أن المهياوة كانت في السابق منفرة للناس، بسبب رائحة السمك القوية المنبعثة منها، لكن الحال اختلف الآن، مع إضافة المنكهات المتنوعة إليها، والبهارات؛ لتصبح نوعًا من أنواع الترف.

الكل يريدها 
والملاحظ، أن كثيرًا من المخابز الشعبية البحرينية، أضحت تبيع المهياوة بزجاجات مختلفة الأحجام، وسط إقبال يومي ومتزايد من الناس، كما تقدم أصنافًا من الخبز اليابس مع المهياوة، وصولًا إلى المطاعم الشعبية، التي أضحت تقدمها للزبائن بتنوع جميل.
وتصنف المهياوة بتشكيلاتها الجديدة، كإضافة مهمة للمائدة البحرينية، سواء في البيت أو المطاعم، التي منها مطاعم الخمس نجوم، وهو أمر يقودنا إلى التفكير في أصلها ما بين المعلومات التي قرأناها عنها، والمعلومات الشفوية التي تتحدث عنها كثيرًا، منها اكتشاف مجموعة من القوارير بـ “الفيلجة” بالكويت، بها طعم السمك، وأنها كانت تستعمل للمهياوة.

اختلاف مسمياتها
ويقودنا ذلك لتساؤل، هل الطريقة التي استخدمها البرتغاليون لإعداد المهياوة تم التوصل إليها في الخليج؟ وهل هي ذات الطريقة القائمة الآن؟ خصوصًا مع اختلاف تسمياتها الحالية، وتنوع وجودها، وهو تساؤل ستجد إجابة عليه أنت وقراء “البلاد” الأعزاء في كتابي المقبل “المهياوة كافيار الخليج”.
وأشير في هذا الشأن، إلى وجود مصانع كبيرة تصدر من البحرين العديد من النكهات المتنوعة من المهياوة وبأحجام مختلفة إلى دول الخليج، ووصل سعر زجاجة المهياوة إلى دينارين، بعد أن كانت في السابق لا تتخطى دينارًا واحدا، أي ضعف السعر، مع سقوط تام للمحاذير عنها، والتي سادت أيام الشاه، فأصبح كثيرون يستسيغونها ويحبونها.