+A
A-

بإمكان دول الخليج خفض معدل الوفيات السنوية الناجمة عن الحوادث المروريّة

مساهمة دول مجلس التعاون الخليجي في إنقاذ آلاف الأرواح سنويًا وتعزيز النمو الاقتصادي مرهونة بنجاحها في تحقيق مستهدفات الأداء العالمية الرئيسية في مجال السلامة المروريّة، وذلك وفقًا لما جاء في أحدث تقرير صادر بالتعاون بين ستراتيجي& الشرق الأوسط، التي تعد جزءًا من شبكة برايس ووتر هاوس كوبرز، والاتحاد الدولي للسيارات تحت عنوان "رؤية خفض الوفيات والإصابات البليغة الناجمة عن الحوادث المروريّة إلى الصفر: رحلة تعزيز السلامة المروريّة  في الشرق الأوسط".

والجدير بالذكر أن الدراسة التحليلية تُبرز المكاسب الاجتماعية والاقتصادية المحتمل أن تحققها دول مجلس التعاون الخليجي في حال تحقيقها لمستهدف من مستهدفات السلامة على الطرق الاثني عشر المحددة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن عقد العمل من أجل السلامة على الطرق. في حال حقّقت دول مجلس التعاون الخليجي الهدف الرابع من المستهدفات، المنطوي على التأكد من أن 75% من الحركة المروريّة تجري على طرق تلتزم بالمعايير الفنية الموصى بها والتي تأخذ بعين الاعتبار سلامة جميع مستخدمي الطرق، فإنها تساهم بذلك في خفض الوفيّات ب 2,800 فردًا سنويًا (أي ما يعادل خفض معدل الوفيات على الطرق بنسبة 22% تقريبًا) وتعزيز النمو الاقتصادي بقيمة 250 مليار دولار أمريكي على مدى 20 عامًا، ما يحقق تقدمًا ملحوظًا في تحقيق الرؤية التي تهدف إلى خفض أعداد الوفيات والاصابات الناجمة عن الحوادث المروريّة إلى صفر. 

وتعليقًا على الموضوع، صرّح محمد بن سليّم، رئيس الاتحاد الدولي للسيارات، قائلًا: "تحظى تدابير السلامة بأهمية بالغة في تمكين تحقيق التنمية لدول مجلس التعاون الخليجي، وذلك لما للحوادث من تأثير كبير يطال الأسر والمجتمعات وسبل المعيشة والاقتصادات الوطنية. ومع ذلك، بإمكان دول مجلس التعاون الخليجي إحداث تغيير فعلي يظهر أثره على إنقاذ الأرواح من خلال اعتماد التقنيات المتاحة وبذل الجهود المتضافرة في وضع السياسات وتطوير البنية التحتية. ويشكل هذا التقرير إطارًا للنوادي الأعضاء في المنطقة بما يُمكّن من تقديم الدعم للحكومات خلال رحلتها نحو التنقل الآمن." 

وفي هذا الصدد، أفاد هشام فاضل، الشريك في ستراتيجي& الشرق الأوسط: "على الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي تحقق تقدمًا ملحوظًا في تحسين السلامة المروريّة، إلّا أن أعداد الحوادث والوفيات المسجلة في المنطقة لا تزال أعلى من الأعداد المسجلة في مناطق أخرى كثيرة من العالم". وأضاف: "يسهم تحويل النسبة الأكبر من حركة السير على الطرق في دول مجلس التعاون الخليجي إلى طرق أكثر أمانًا في تخفيف الضغط على أنظمة الرعاية الصحية وحماية الإنتاجية الاقتصادية من التكاليف الاقتصادية المترتبة على الإصابات والوفيات".

وعلّق غوستاف قرداحي، المدير في ستراتيجي&، قائلًا: "تُبذل جملة من الجهود على مستوى المنطقة في سبيل تحقيق الأهداف الطموحة الرامية إلى خفض معدلات الوفيات والإصابات البليغة الناجمة عن الحوادث المرورية. وللوصول إلى الأهداف المنشودة، عمل الاتحاد الدولي للسيارات، بالتعاون مع ستراتيجي&، على رسم خارطة طريق شاملة، تقوم على خمس ركائز رئيسية، تستهدف تنظيم عمل الجهات القائمة على وضع السياسات و رسم الخطط والجهات الأخرى المعنية، وذلك بهدف تحسين السلامة المروريّة وإنقاذ الأرواح".

يُلفت إلى أن رحلة دول مجلس التعاون الخليجي لتحسين المعدلات المسجلة بشأن السلامة المرورية تتمثّل في تبني استراتيجية شاملة للسلامة المروريّة، تسترشد بالبيانات وتمكنها التقنيّات الحديثة، حيث يتطلب اعتماد هذه الاستراتيجية اتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير في خمسة مجالات: 

تحسين البنية التحتية. يمكن أن يسهم اعتماد معايير السلامة في تصميم وتشغيل شبكات الطرق في خفض أعداد الوفيات والإصابات البليغة. بإمكان القائمين على وضع التصاميم ورسم المخططات المدنيّة وشركات البناء تحسين التصاميم قبل إنشاء الطرق أو تحديثها والاستفادة من التقنيات الجديدةكما يمكن أن تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي السلطات على مراقبة الطرق لرصد الأضرار، بالإضافة إلى التنبؤ بجهود الصيانة وترتيبها حسب الأولوية. فعلى سبيل المثال، تقوم المملكة العربية السعودية حاليًا بتجربة مثل هذه الحلول القائمة على تقنيات الذكاء الاصطناعي  عبر حالات استخدام متعددة.

المركبات الذكية. تؤمّن جملة من التدابير المعززة بالتقنيات الذكية اعتماد معايير أساسية لسلامة المركبات الحالية والجديدة، منها: إعادة تهيئة المركبات الحالية بتزويدها بالتقنيات الجديدة، وتنفيذ عمليات فحص المركبات بوتيرة أعلى وأكثر فعاليّة ودقّة، واعتماد تقنيات في المركبات توفر حماية أكبر للركاب. المعايير العالمية معمول بها فعليًا، مثل أنظمة تصنيف سلامة المركبات، وتسهم التقنيات الناشئة  مثل المركبات المتّصلة ومعالجة المعلومات آليًا عن بُعد في المركبات والأتمتة، في تحسين مستوى السلامة.

تمكين المتنقّلين. يسهم توفير المعلومات المباشرة حول أحوال الطرق وحركة السير في ضمان الاطلاع المستمر على مصادر الخطر إلى جانب مساعدة السائقين على اتخاذ قرارات أفضل. تساهم اللافتات الرقمية التفاعلية أو شاشات عرض مؤشر السرعة أو التنبيهات والتحذيرات من خلال الوحدات المتاحة داخل المركبات والأجهزة الشخصية في زيادة تمكين المتنقّلين. كذلك يسهم إحداث تغييرات في الأماكن المخصصة لعبور المشاة والمسارات المخصصة للدراجات الهوائية بتوفير الحماية لمرتادي الطرق المعتمدين على وسائل النّقل اللّيّن.

تعزيز كفاءة وفعالية العمليات. تؤمّن التقنيات المستندة على البيانات المباشرة، مثل إشارات المرور الذكية ، الدعم لجهود إدارة حركة السير والحوادث بأسلوب فعّال. وعلى نحو مماثل، يتيح تنظيم السرعة الديناميكي تغيير حدود السرعة وفقًا للبيانات المباشرة المتوفرة حول حركة السير أو أوضاع الطرق أو الأحوال الجوية ما يتيح قيادة المركبات بالسرعة الأكثر كفاءة وأمانا". وتسهم  التقنيات الحديثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في تقليص المدّة المستغرقة لرصد وقوع الحوادث، والتنبؤ بوقوعها .

الرّصد الفعّال للمخالفات. تطوّر العديد من دول منطقة الشرق الأوسط برامج متقدمة للسلامة المرورية، إذ يعتمد البرنامج الذي تطبقه المملكة العربية السعودية مثلا" أساليب الحوسبة المتطورة لإنفاذ قانون المرور. وتتيح التقنيات الحديثة الرصد الآلي لأخطر المخالفات ، منها عدم ربط أحزمة الأمان، واستخدام الهاتف الجوال أثناء القيادة ، وتجاوز حدود السرعة المحدّدة، وتجاوز الإشارة الحمراء، وعدم الالتزام بخط السير الإلزاميوالانعطاف غير القانوني. ولضبط مرتكبي المخالفات، يمكن الاستعانة بأنظمة مراقبة الطرق بالرادار والطائرات بدون طيار (الدرونز) والدوريات الذكية والكاميرات المحمولة باليد والمركبات المزوّدة بالكاميرات لرصد المخالفات. وأصبحت كاميراتCCTV المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، المتمثلة بخوارزميات الرؤية الحاسوبية لرصد المخالفات بأنواعها المختلفة، أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة.

يُشار إلى أن العديد من دول مجلس التعاون الخليجي أحرزت تقدمًا ملحوظًا وعملت على وضع خطط للسلامة المرورية. فعلى سبيل المثال، سجلت المملكة العربية السعودية انخفاضًا بنسبة 6.8% في الحوادث المرورية على الطرق في عام 2022 مقارنةً بعام 2021، بالإضافة إلى انخفاض بنسبة 2.1% في معدلات الوفيات الناجمة عن الحوادث على الطرق خلال نفس الفترة.

 أمّا في دولة الإمارات العربية المتحدة، أطلقت دبي 53 مبادرة استراتيجية تصنف ضمن أربع فئات رئيسية: مراقبة حركة السير، وهندسة المركبات والطرق السريعة، والتوعية المرورية، والأنظمة والإدارة. يرشد التقرير الجديد  إلى مفاتيح لتعزيز هذه الجهود.

تسهم استراتيجية السلامة المروريّة، التي تطبق الممارسات الرائدة المشار إليها أعلاه، وخطط الإدارة المحسنة، والتقنيات الجديدة، في تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي، إذ تتيح إنقاذ الأرواح وتحسين أنظمة الطرق وتعزيز الاقتصاد وأداء دور محوري في تحديد ملامح شبكة النقل الآمنة.