+A
A-

د. رقية مكي: الاضطراب النفسي ليس وصمة عار والجميع معرضون للإصابة بالاضطرابات

أكدت الطبيبة المقيمة في مجال الطب النفسي بمستشفى سلوان للطب النفسي د. رقية جعفر أن الاضطراب النفسي ليس وصمة عار، بل هو تحد على المريض أن يعتبره صعوبة إضافية من صعوبات الحياة لمواجهتها، وقالت: إن الجميع معرضون للإصابة بالاضطراب النفسي، لكن الحكيم من لا ينظر إلى أن هذا الاضطراب مخجل أو سيئ، فهو مرحلة من مراحل الحياة التي يمكن تجاوزها بنجاح.

وترتبط وصمة العار بشكل كبير بالأمراض النفسية، فعلى الرغم من كل ما يشهده عصرنا من تقدم وتطور، إلا أننا مازلنا مع ذلك نرى في مجتمعاتنا العديد من التصرفات المُهددة أو غير المريحة إزاء الأمراض النفسية. وتعمل د. رقية طبيبة بحرينية ولها باع طويل في مجال الطب، فلقد تخرجت بدرجة الدكتواره في الطب وبكالوريوس في العلوم الطبية الأساسية من جامعة الخليج العربي. وتعمل في مجال الطب النفسي طبيبة مقيمة لأكثر من 5 سنوات. وتخلل رحلتها برنامج طب الامتياز، وبعدها البرنامج التدريبي في الطب النفسي التابع للمجلس العربي للاختصاصات الصحية. “البلاد” التقت معها كونها من الأطباء المستفيدين من برنامج دعم توظيف البحرينيين الخاص بـ “تمكين”، لتروي لنا قصتها وأبرز الصعوبات التي تواجه المريض النفسي، وفيما يلي نص اللقاء:

لماذا وقع اختياركِ على الطب النفسي؟
تخصص الطب النفسي فيه جانب إنساني كبير، يجعل الطبيب بمثابة الأخ والصديق والداعم وأحيانا الحكيم والمستشار في حياة المريض. في هذا التخصص يجد المريض نفسه موضع ثقة ومؤتمنا على أسرار قد لا يعرفها أحد غيره، كما أنه يجد نفسه الملجأ لمرضى أتعبتهم الحياة. وكغيره من تخصصات الطب فإنه يساهم في إنقاذ حياة أشخاص أو تحسين جودة حياة آخرين.

في رحلة البحث عن الوظيفة، هل كان هناك جهة تبنت توظيفكِ، وما أهمية هذا الدعم؟
نعم، “تمكين” كان ومازال البوابة الكبرى لتوظيفي في المجال الصحي عبر البرنامج الوطني للتوظيف، حيث جعلني أشعر بالثقة، إضافة إلى أنه منحني حافزا لبذل مزيد من الجهد في عملي، لأن دعم “تمكين” لنا يثبت أن الشباب البحريني قادر على أن يعمل بكل مجال بكفاءة واقتدار، وهو الخيار الاول لأصحاب الأعمال. فهذا الدعم اللامحدود للأطباء من الكوادر الوطنية يجسد أهمية الاستثمار في العنصر البشري، كونه محور التنمية الشاملة في كل القطاعات، ومن أهمها القطاع الصحي.

تعد وصمة العار من أكثر الاضطرابات التي تواجه المرضى، فما هي هذه الأحاسيس؟
هي أحاسيس ومشاعر ومعتقدات وسلوكيات سلبية يحملها الأشخاص والمجتمع نحو الأفراد المصابين باضطراب نفسي، فهناك اعتقاد بأن المريض النفسي شخص غير نافع في المجتمع، وأنه غير أهل للأخذ برأيه أو نصيحته في أي أمر، وقد يظن كثيرون بأنهم خطيرون أو عنيفون، لذلك قد يواجهون الابتعاد عنهم وتجنبهم أو حتى إيذاءهم. كما يمكن أن تكون مشاعر وأحاسيس قد يشعر بها الشخص المصاب، الذي يعاني من اضطرابات نفسية، تجاه مرضه أو مشكلته النفسية.


كما عرفت منظمة الصحة العالمية الوصمة بأنها علامة خزي أو عار تلصق بالأفراد عبر رفض الآخرين لهم، وهي تسبب الضرر الشديد، والتمييز والمضايقة لهم.

كيف يمكن التعامل مع هذه الوصمة التي يعاني منها العديد من المرضى؟
هناك العديد من الخطوات التي يمكن أن يتبعها أفراد المجتمع والمريض، والتي تبدأ بالتثقيف عبر التعرف على الاضطراب النفسي الذي يعاني منه، ومشاركة الآخرين بما تعلمه، فالمعرفة تحد من وصمة العار، أما الخطوة الثانية فهي المساعدة، ولأن غالبية المشكلات النفسية قابلة للعلاج، لذلك يجب على المريض الحصول على المساعدة اللازمة من المختصين.


ومن الطرق في التعامل أو الحد من وصمة العار التي يشعر بها المريض هي عدم السماح لمشاعر الرفض أن تشكل عائقًا يمنعه من ممارسة نشاطاته الطبيعية والهوايات المحببة إليه، بالإضافة إلى تجنب كثرة التفكير في كلام الآخرين عن المرض النفسي، لتفادي الشعور بالسوء الناجم عن ذلك.

كيف يمكن للأمل أو العزلة أن تؤثر على المريض؟
تمكن العديد من المرضى من التغلب على أمراضهم النفسية والتعافي منها بالأمل، لذا علينا التغلب من شعور وصمة العار التي قد تمنع المريض من تلقي العلاج، فوصمة العار قد تؤدي إلى الانعزال، فهي تدفع المريض نحو العزلة عن المجتمع، لذا من الضروري أن يقضي المريض وقته مع أشخاص يثق بهم.

ما عواقب عدم علاج الأمراض النفسية؟
قد يشعر المريض بانعدام التفهم من قبل أفراد العائلة، الأصدقاء، أو الزملاء في العمل، بالإضافة إلى تراجع الفرص المتاحة للشخص المصاب، سواءً كانت فرص عمل أو دراسة أو فرص المشاركة في النشاطات الاجتماعية، إلى جانب أن المريض النفسي قد يكون عرضة للتنمر، العنف الجسدي أو المضايقات والإزعاج، والأهم من ذلك هو فقدان الثقة والأمل في أن تتحسن الأمور.

ما نصيحتكِ للمرضى؟
رسالتي للمرضى بأنه لن يستطيع أحد أن يفهمكم ويعرفكم أكثر من أنفسكم، لذا لا تخجلوا من طلب مساعدة طبيب نفسي اختصاصي، فمن التشخيص الصحيح للاضطراب النفسي، يمكنكم التغلب على أعراض المرض، والشفاء منه خصوصا إن بدأتم العلاج مبكرا.

وفي الختام اضطرابك النفسي ليس وصمة عار، بل هو تحدٍ عليك أن تعتبره صعوبة إضافية من صعوبات الحياة. لا تدع الآخرين يجعلونك تشعر بالفشل، أو الضعف، فالجميع معرضون للاضطراب النفسي، لكن الحكيم من لا ينظر إلى نفسه على أنها سيئة وضعيفة، بل هي جريحة كما يُجرح الجسد، وتُشفى بمساعدة الطبيب.