+A
A-

"Killers of the Flower Moon".. قيمة في التشكيلات البصرية وبناء المشاهد

اجتذب الفيلم الأخير للمخرج مارتن سكورسيزي "Killers of the Flower Moon" الجمهور الواسع، حيث جمع بين حبكة التشويق البوليسية، وشيء من اللمحات الإنسانية وقدم لنا موضوعا اجتماعيا سياسيا مباشرا يطرح العلاقة بين قبيلة "اوساج" من السكان الأصليين في أميركا، وما تعرضت له من قتل متعمد من قبل الرجل الأبيض طمعا وجشعا في الثروة النفطية أثناء عشرينات القرن الماضي، وقيام مكتب التحقيق الفيدرالي بالتحقيق الموسع في الجرائم.

الفيلم الذي قام ببطولته ليوناردو دي كابريو في دور "إرنست"، وروبرت دي نيرو في دور "هايل"، وليلي جلادستون في دور "مولي"، وآخرون من الطاقم ومن اخراج مارتن سكورسيزي، تميز بتقنية فنية رفيعة وحس سينمائي مرهف، وفيه تفصيلات كثيرة، وله قيمته في تشكيلاته البصرية وبناء المشاهد وإدارة الممثلين، والبناء السينمائي.

أما عن الشخصيات، فإنه قدم تشكيلية لا تعبر عن القوى المكونة للمجتمع الأميركي في تلك الفترة من الزمن، ولكنه قدم شخصيات يقسمها الفيلم إلى شرفاء وقتلة وخونة، ينتمون إما إلى الجموع وإما إلى الطبقة الشرهة، فثمة الشخص الحائر، والعاجز، واللص، وتعد مولي بوركهارت زوجة إرنست مركز تجمعهم من الناحية الروحية والمكانية على السواء، وهي تمتلئ بالأمل وتستطيع أن تمنح الجميع حنانا، وفي الجانب الآخر يشعرنا الفيلم بأن ثمة غول كبير نرى مخالبة ممثلة في ويليام هايل أو الملك كما يطلقون عليه، يحرض عناصر المجتمع على الفساد والقتل، ويقوم بحمايتهم مستندا إلى نفوذه الواسع.

وأول ما تلاحظه أن بعض شخصيات الفيلم، تبدو رموزا أكثر من كونها شخصيات لها فرديتها، فهي أقرب إلى المواقف والأفكار، كشخصية ليزي كيو "الجدة أو الأم" التي قامت بأدائها الممثلة الكندية تانتو كاردينال، وجون رمزي الذي قام بأدائها تاي ميتشيل، شخصيات تترك في نفس المشاهد انطباعا عاما يتضمن موقفا فكريا واضحا.

وتأتي أهمية وروعة الفيلم في المقام الأول إلى التصوير، حيث يولي المخرج سكورسيزي تأليف لقطاته عناية فائقة، كما هو الحال في لقطة المحكمة، ولقطة طابور القبيلة، ومن لقطة متوسطة إلى لقطة مكبرة لأحد واجهات البنوك أو المحلات، وهذا النوع من اللقطات يسمى باللقطات التقريرية، أي اللقطة التي تحدد المشهد وما يحيط به، أو العلاقة بين التفاصيل التي سوف تعرض فيما بعد على المشاهد في لقطات أقرب، وينتهي الفيلم نهاية ذكية مفتوحة عندما يحشد المخرج سكورسيزي رجال ونساء قبيلة "اوساج" حول الطبول وحركة الكاميرا عمودية صاعدة إلى الأعلى، ونلاحظ أن المخرج سكورسيزي استخدم في هذا الفيلم أساليب القطع المختلفة في عملية المونتاج، كهمزات وصل لربط المراحل، كما في فيلمه الغنائي " نيويورك.. نيويورك" إنتاج العام 1977، فأحيانا يلجأ إلى القطع الحاد وأحيانا إلى المزج والذوبان، وكثيرا ما يستخدم اللقطات المتوازنة، وتوازنها الشكلي إنما يؤكد مدى ارتباطها العضوي والموضوعي، فالتوازن لا يعني فقط إحاطة المتفرج بأبعاد متعددة عن الحبكة، وإنما بهدف تكثيف موقف وجداني بدأ يعايشه المشاهد بالفعل أثناء متابعته للقصة.

أما الموسيقى فهي ذات تأثير خاص وبناء محسوب، وتعتبر من أروع امثلة الموسيقى السينمائية التي تبقى في النفس طويلا، خاصة التتابع الصوتي المفاجئ للطبول والزغاريد المعروفة للهنود الحمر المصاحبة بالات النفخ.

إن كان هناك الكثير من الأفلام ذات المستوى الجمالي التي تحرص على تزويد المشاهد بتجارب تتساوى في مدلولها وأسلوبها مع مدلول وأسلوب الفنون المعاصرة، فهذا الفيلم واحد منها.