+A
A-

مسيّرة مجهولة ضربت طابا.. قصة معركة الخرائط بين مصر وإسرائيل

غضب كبير عم مصر بعدما سقطت مسيرة مجهولة المصدر فجر اليوم الجمعة على مدينة طابا المصرية المحاذية للحدود الإسرائيلية وأصابت 6 أشخاص وتسببت في أضرار بمبنى سكني.

 

 

"على علم بالحادث"

فعقب الحادث، أكد الجيش الإسرائيلي أنه على علم بوقوع حادث أمني بالقرب من حدوده على البحر الأحمر مع مصر في وقت مبكر الجمعة.

فيما قالت مصادر مصرية أن الانفجار له علاقة بالقتال المستمر بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة الفلسطيني.

 

لثاني مرة

ولم يكن هذا الحادث الأول الذي وقع في الأراضي المصرية منذ بدء حرب غزة، فقد وقع في وقت سابق بعض "الإصابات الطفيفة" في صفوف القوات المصرية على الحدود مع إسرائيل نتيجة قصف "عن طريق الخطأ" من دبابة إسرائيلية، من دون أن يحدد عدد الجرحى.

وكان مجلس الأمن القومي الإسرائيلي قد دعا المواطنين الإسرائيليين إلى مغادرة مصر وغيرها من الدول العربية على الفور، في ظلّ تصاعد التوترات الإقليمية بسبب الحرب مع غزة المستمرة منذ السابع من أكتوبر الجاري.

 

لكن ما قصة طابا؟

تعتبر طابا مدينة ذات طابع سياحي، تحظى بشعبية كبيرة، وتتبع محافظة جنوب سيناء، وتقع على رأس خليج العقبة على البحر الأحمر قبالة مدينة إيلات الساحلية في إسرائيل، على بعد أكثر من 350 كلم (220 ميلا) من غزة.

لكن لها قصة مختلفة عن باقي المناطق المصرية التي استردتها مصر من إسرائيل عقب حرب أكتوبر عام 1973.

 

معركة استرداد طابا

فبعد توقيع معاهدة السلام فى مارس عام 1979، دخلت القاهرة معركة دبلوماسية وقانونية صعبة، انتهت باللجوء للتحكيم الدولى عام 1988، لتكتمل هذه الجهود فى النهاية بحكم هيئة التحكيم الدولية، بانسحاب إسرائيل من آخر نقاط سيناء، وتسترد الدولة المصرية طابا وآخر شبر من أراضيها فى سيناء، ليرفع العلم المصري على أرض طابا في 19 مارس عام 1989.

فقد أرادت إسرائيل الاحتفاظ بطابا ورأس النقب نظرا لأهميتهما السياسية والسياحية والاقتصادية والعسكرية.

من هنا بدأت معركة التحكيم الدولى، التى انطلقت منه المعركة السياسية وارتكزت عليه المعركة القانونية والقضائية وانتهت بتحرير طابا ورأس النقب ليتم تحرير كامل سيناء.

 

معركة الخرائط

وقد لعبت الدبلوماسية المصرية دورا كبيرا فى جمع الوثائق، وقدمت وزارة الخارجية حينها 29 خريطة بأحجام مختلفة تثبت الملكية المصرية لطابا، وتمكنت من جمع خرائط ووثائق من الأرشيف المصري والبريطاني والتركي.

وقدمت 10 خرائط من الأرشيف الإسرائيلى نفسه تثبت تبعية طابا للأراضى المصرية، فيما قدمت إسرائيل 6 خرائط فقط.

لكن الخرائط والوثائق لم تكن كافية فقط لحسم القضية لصالح مصر.

وفي مارس عام 1979 تم توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، ونصت في مادتها الأولى على أن تنسحب إسرائيل من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، لكن إسرائيل قررت بعد توقيع المعاهدة توسيع الأقاليم التي تحيط بميناء إيلات، وشرعت في إقامة فندق سياحي في وادي طابا، ليبدأ خلاف الحدود خاصة عند علامة الحدود رقم 91 بمنطقة طابا.

 

خلاف العلامة 91

ثم في أكتوبر عام 1981 وخلال اجتماع الجانب المصري مع الإسرائيلي لتفعيل انسحاب الجيش الإسرائيلي من سيناء، اتفق الطرفان على كل العلامات الحدودية باستثناء العلامة 91 الخاصة بمدينة طابا، حيث رفض الوفد الإسرائيلي تنفيذ الانسحاب بشكل كامل وتوسع الخلاف حتى شمل 13 علامة أخرى، وأعلنت مصر آنذاك أنها لن تفرط في شبر واحد من الأرض لتبدأ معركة الاسترداد.

ففي مارس 1982 أعلنت مصر عن خلاف مع إسرائيل حول العلامات الحدودية الـ13، مؤكدة تمسكها بموقفها المدعوم بالوثائق الدولية والخرائط التي تثبت تبعية تلك المناطق للأراضي المصرية، وعقدت اجتماعات عدة رفيعة المستوى لبحث إيجاد حل للأزمة، وتعقدت الأمور بشكل أكبر بعد تعنت الإسرائيليين في إعادة طابا.

 

 

التحكيم الدولي

استنادا إلى النص الصريح الوارد في اتفاقية السلام بأن أي نزاع ينشأ بمناسبة تطبيق وتنفيذ هذه الاتفاقية يحل أولا بالتفاوض، وإذا فشل التفاوض في حل النزاع يلجأ الطرفان إما إلى التوفيق أو إلى التحكيم، وطالبت إسرائيل باللجوء للتوفيق لكن مصر رفضت تماما لأن التوفيق عملية سياسية أما التحكيم عملية قانونية.

وطالبت مصر باللجوء إلى التحكيم الدولى لحل النزاع كما تنص المادة السابعة من معاهدة السلام بين البلدين نتيجة للرفض الإسرائيلى، وأعلنت إسرائيل في 13 يناير من عام 1986 موافقتها على اللجوء للتحكيم الذي تحددت شروطه وتم التوقيع عليها في 12 سبتمبر1986، وشمل الاتفاق مهمة المحكمة في تحديد مواقع النقاط وعلامات الحدود محل الخلاف، واتفق الطرفان على اختيار المحكمين.

 

حيلة إسرائيلية

فحاولت إسرائيل تضليل الرأى العام العالمي بل وربما المصرى بالقول إن العلامات التى تم الاتفاق عليها فى 1906 تم تعديلها فى 1915، كما قامت إسرائيل بإزالة العلامة 90 بعد أن تركتها في موقعها لإيهام مصر بأنها العلامة 91.

فيما كثفت الدبلوماسية المصرية من تحركاتها الدولية لإظهار الحقيقة وتفنيد الرواية الإسرائيلية لسرقة جزء من أراضي سيناء، وقدمت مصر الوثائق والخرائط التى تثبت تبعية طابا للأراضى المصرية، وردت الحكومة الإسرائيلية بأن موقفها قائم على وجود خطأ في تعليم الحدود وفق اتفاقية 1906 الخاصة بتعيين الحدود بين مصر والدولة العثمانية، وأن موقفها بعد حرب أكتوبر 1973 يسعى لتصحيح هذا الخطأ.

 

 

"هيئة الدفاع عن طابا"

وفي مايو 1985، تشكلت اللجنة القومية العليا لطابا، والتي ضمت كفاءات قانونية وتاريخية وجغرافية، منهم وحيد رأفت نائب رئيس حزب "الوفد"، ومفيد شهاب أستاذ القانون الدولي، والمؤرخ يونان لبيب رزق، فضلا عن عدد من الدبلوماسيين، على رأسهم نبيل العربي، وعدد من الخبراء العسكريين بينهم اللواء عبدالفتاح محسن مدير المساحة العسكرية آنذاك، والتي تحولت إلى هيئة الدفاع المصرية عن طابا في التحكيم الدولي.

ولعبت الدبلوماسية المصرية دورا بارزا فى تجميع الأدلة والوثائق التي تثبت أن هذا الجزء من الأراضى المصرية كان موقعا للقوات الدولية فى مرحلة ما بعد العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، فالقوات المصرية لم تطأ أقدامها الشريط الحدودى على الجانب المصرى منذ عام 1956 وكانت المعلومات المتوفرة لديها ضئيلة، ولم يتم تحديثها.

 

مستندات حاسمة

في مثل هذه القضايا جميع الأوراق المقدمة يجب أن تكون حاسمة حتي يتولد لدى المحكمين القناعة بالنتيجة التي سيتوصلون إليها، وقدم الوفد المصري حججا عدة بعضها خرائط تعود إلى فترة ما بعد حصول مصر على الحكم الذاتي من الإمبراطورية العثمانية، وكانت توضح أن طابا داخل الحدود المصرية، وأيضا قدم خرائط تخص الاحتلال البريطاني لمصر عندما طالب قوات تركية بالانسحاب من طابا لأنها تقع داخل حدود مصر التي كانت تحت الاحتلال البريطاني أنذاك، كما قدم الوفد المصري مرافعات ومذكرات وشهادات شهود.

كما قدمت إسرائيل أيضا حججا من بينها كتب مطبوعة داخل مصر توضح أن طابا جزء من فلسطين، لكن مصر ردت على كل هذا، ومن مجموع ما قدم من أدلة وحجج تولدت قناعة لدى المحكمة بأن طابا مصرية.

 

"الحكم التاريخي"

ليعلن القاضي السويدي جونار لاجرجرين، رئيس هيئة التحكيم الدولي، حكمه التاريخي لصالح مصر بأغلبية 4 أصوات والاعتراض الوحيد من الجانب الإسرائيلى، ووقع الحكم فى 230 صفحة، حيث تضمن منطوق الحكم "أن وادي طابا بأكمله وبما عليه من إنشاءات سياحية ومدنية هي أرض مصرية خالصة".

وانتهت قضية طابا التي أصابها صاروخ اليوم برفع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك العلم فوق أراضيها عام 1989، بعد معركة سياسية ودبلوماسية استمرت لأكثر من 7 سنوات.