لا يدرك سكان مملكة السماء في القدس وما حولها أن كثيرًا منهم أدوات في لعبة مصالح كبرى، لا يهم أصحابها سوى تثبيت مجموعة بشرية منزرعة في هذا المكان قبل عقود؛ لتحقيق تلك الأهداف.

يحصد هؤلاء المنتفعون منافع كبرى فاتورتها دماء الأبرياء المتدفقة أنهارا كل حين في كل مكان، رغم أن الحلول المطروحة مباحة دينيا ومتاحة سياسيا.

حينما تصير جنة السماء جحيما سحيقا، يتوجب الخروج منها إلى دنيا الله الواسعة، على كل بريء لا يريد سوى السلام أن يحمل أمتعته ويرحل من الجحيم، قبل أن يصير حزمة الحطب القادمة التي ستُلقى لإشعال جهنم المفتوحة لابتلاع المزيد من الضحايا.

إن أوهام معركة ما قبل النهاية، وانتظار الجميع لأولئك المخلصين المنتظرين لدى كل طائفة، يغذي الصراع القائم والقادم، وكان تيودور هرتزل، نبي إسرائيل الحديثة، ملحدًا، لكنه استثمر إيمان المؤمنين بفكرة دينية ليقيم دولة تستفيد منها إمبراطورية كبرى دالت دولتها لترث حق الانتفاع إمبراطورية وليدة شابة، ولا تزال الدولتان العظميان تكافحان حتى اليوم لبقاء الضحايا في المكان عينه، لمصالحهما لا حبا في أحد.

يجب أن يدرك هؤلاء الضحايا، أنه مهما تعالينا على آلامنا وحاولنا الاستنارة بالعقل والتحلي بالحكمة، ستظل تطل منا تلك الروح الوحشية البدائية القديمة، حينما تتعالى أصوات الصراع على مصالح التعاون، ليتوارى العقل وتنمحي الحكمة.

إصرار قادة تل أبيب المتطرفين على المضي قدما بالعالم إلى حافة هاوية، لم تعد البشرية تتحمل فاتورتها، بعد صدمات كورونا ثم حرب أوكرانيا وما بينهما، يوجب على قادة الدول الداعمة لإسرائيل ـ بطبيعة المصالح المرتبطة ـ مراجعة مواقفهم ووقف دعمهم لتلك الحكومة المتطرفة.

ويجب على لوبي الشركات المتضررة من حملات المقاطعة، الضغط على حكوماتهم؛ لوقف الدعم الغربي اللامحدود لإسرائيل، القائم على منافع متبادلة في الأساس، وفي حال الشعور بأن هناك أضرارا على تلك المصالح من جراء سياسات حفنة من المتطرفين، سيجد الإسرائيليون أنفسهم وحدهم دون دعم.

قبل تلك السياسات التي فاقمت الموقف باقتحام الأقصى وإهانة المقدسات الدينية، والسعي لإرضاء متطرفين إسرائيليين على حساب أصحاب الديانات الأخرى، وخاصة المسلمين، كانت المنطقة مقبلة على تعاون غير مسبوق، الآن خفت الحديث وتراجع لصالح أصوات وحشية تطالب بالانتقام المتبادل، وهو تراجع له دلالته، ينبغي لإسرائيل أن تتأمل نتائجه على المديين القريب والبعيد.

* كاتب مصري وخبير بالاقتصاد الرقمي