+A
A-

محمد الماجد ناقدا سينمائيا

لقد عرفنا الأديب والصحافي الكبير محمد الماجد رحمه الله ( 1945 – 1986 ) قاصا وروائيا وناقدا من الطراز الفريد، ومعظم كتاباته لامست الأدب والشعر والرواية، ولكن نادرا ما كان يكتب عن السينما.

"البلاد" تنفرد بنشر مقال نقدي للماجد بعنوان "الإنسان في السينما الهندية... رداء أصفر وكذبة بيضاء تخلق من الإنسان قديسا". يعود إلى نهاية الستينات.

يقول الماجد:

إذا كان الفكر هو وليد الواقع وثمرة التصاق الانسان بالحياة ، فان الفن هو اللغة الحقيقية لذلك الوليد ، والمعبرة عنه اروع تعبير.

والفن في شتى مظاهره ، صلاة عميقة حارة، تنصب كشلال من الفرح، وأحيانا ، من الحزن في أعماق الإنسان، وترش وجهه بما يفتح امام عليه كوة من النور يطل من خلالها على عوالم خضراء ، تتجمد فيها قيمة الإنسان، من حيث كونه جوهرا ، وخالقا، ومبدعا للحضارات ، والافكار والقيم ، والاخلاق، وغالبا ما يصور لنا الفن الإنسان في الصورة التي يجب أن يكون عليها ، لا التي يعيش فيها، ويتجمد على هوامشها .

 والفن ، أيا كان مظهره، من حيث الشكل والمضمون - طبعا مع وجود عنصري الأصالة والمعاناة - لا يخرج عن كونه تعبيرا عن تطلعات الانسان، وأماله، واحلامه، من خلال صراعه المستمر مع ذاته، ومع الطبيعة، والوجود ، حتى ولو اتخذ ذلك التعبير شكلا مأساويا حادا ، كما في اعمال كافكا ، وجيمس جويس، ومارسيل بروست، و بیكاسو، وسلفادور دالي، وشاجال ، وبراك – الفن هنا يشمل كل وسائل التعبير الانسانية من أدب ، وموسيقى -..الخ.

وفى خلال السنوات الاخيرة دخلت الافكار التجريدية ميدان السينما، والتحمت بالأدب والفن ، بشكل أصبحت معه السينما أداة تعبيرية لا تقل روعة عن بقية الادوات الأخرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فان المخرج السويدي انجمار برجمان ، والمخرج اليوناني کاکا پانیس - مخرج فلم زوربا - والمخرج الامريكي دافيد لين - مخرج فلم الدكتور زيفاكو ، هؤلاء وآخرون غيرهم أثروا السينما بأفكار إنسانية رفيعة وارتفعوا بها إلى درجة مشرقة من التعبير عن أزمة الانسان المعاصر.

وقد اتجهت السينما الهندية في الآونة الاخيرة الى مثل هذا الاتجاه، فأنتجت افلاما على مستوى رفيع من الجودة والاتقان . عالجت فيها أزمة الانسان المعاصر و استطاعت في كثير من هذه الافلام أن تتلمس أبعاد هذه الأزمة، على ضوء القيم الحضارية التي عرفتها القارة الهندية ، وهي قيم روحية ، تمجد الخير، والحب والسلام.

 ومن هذه الافلام التي استطاعت أن تتلمس أزمة الانسان المعاصر ، بشكل جلي ، وواضح ، هذا الفيلم الذي نحن بصدد الحديث عنه  وإسم الفيلم " المرشد"  أو الدليل ، وقد عرض في الأسبوع الماضي في سينما الزبارة، وليس من الأهمية بمكان أن يدخل ضمن حديثنا عن الفيلم  المؤثرات الفنية، كالصوت، والصورة ، والاخراج .. اذ ليس الهدف من هذه السطور هو النقد الفني للفيلم، وانما هو مجرد انطباعات تكدست في ذهني ، نتيجة لروعة الموضوع الذي يعالجه الفيلم. وعلى أي حال فأنا أجد نفسى هنا ملزما بإعطاء القاري نبذة عن الفيلم، وان كنت أعلم أن مثل هذه النبذة  لا تجد تلك الروعة، التي تفجرها مشاهدة الفيلم ومعايشة موضوعه.