+A
A-

"الطريق" أسلوبية الاتجاه المتقدم في السينما المعاصرة

المعالجة في السينما تعني أن نضع القصة السينمائية بالكامل في قالب دراما الشاشة، مع استبعاد الأسلوب الأدبي الذي كان موجودا في بعض أجزائها، ولعل أهم الأدباء العرب الذين تم تحويل أعمالهم الروائية الى أفلام سينمائية هو نجيب محفوظ، وقد اختلفت هذه الأفلام، حسب أسلوب تناول الحبكة من قبل كاتب السيناريو وتعامله مع الشخصيات ومواجهتها، وبالرغم من أن جميع روايات نجيب محفوظ تتميز بالدلالات الفلسفية العميقة، إلا أنها في الوقت نفسه دلالات بسيطة ومضمونها اجتماعي تاريخي.

قبل أيام شاهدت فيلما قديما بعنوان "الطريق" من إخراج حسام الدين مصطفى وسيناريو وحوار حسين حلمي المهندس، وبطولة رشدي أباظة وشادية وسعاد حسني، والفيلم مأخوذ عن رواية "الطريق" لنجيب محفوظ، وبما أننا قرأنا هذه الرواية منذ سنوات واكتشفنا فيها بحر الحياة الصاخب الذي يبحث فيه نجيب محفوظ عن شخصياته وانحرافها وتحررها من القوانين، إلا أن في هذا الفيلم وجدنا زخرفة جميلة أضافها السيناريست.

فصابر يتورط في الجريمة وينتهي الى قتل صاحب الفندق، زوج كريمة، ثم كريمة نفسها، والوقوع في يد الشرطة، وهو بهذا الفعل ينفذ الحكم الصادر عليه من المؤلف والمجتمع، وكلاهما صورة للآخر. وإذا كان السيناريست والمخرج قد تناولا هذا الخيط من المؤلف، بحيث جاء الفيلم صورة حركية مرئية للسرد التاريخي الاجتماعي لتطور صابر، فإنهما يكونان صادقين ملتزمين بالخط الذي سار عليه. ويشبه الفيلم فعلا الأفلام البوليسية، ويبدأ بداية سينمائية مثيرة وينتهي بمطاردة قوية من البوليس، ويحفل أثناء ذلك بالمواقف الغرامية المنشطة لخيال العامة. وزاد السيناريست حسين المهندس على مواقف نجيب محفوظ أن جعل "إلهام" عنصر الخير هي التي تبلغ البوليس عن مكان اختفاء "صابر"، وهو ما لم يورده نجيب محفوظ، فاختلق هرب صابر، واختار المقابر مكانا لاختفائه، ثم جعل إلهام هي التي تقود البوليس إليه، رغم علمها بأنه قتل مرتين وأن المشنقة في انتظاره. يريدان بذلك – أي السيناريست والمخرج - أن يزودانا بصورة غريبة عن الحب لا يعرفها الخير ولا الحب في مجتمعنا. هنا فعلا نلمس خروجهما البين عن الرواية وتشكيلهما لها كرواية بوليسية، وربما كان فهمهما ذاك لما فهماه، وما يعرفه المثقفون جيدا عن غرام نجيب محفوظ بالشخصيات الشاذة المنحرفة ذهنيا او نفسيا او اجتماعيا.

وفي الفيلم أيضا عناصر إبداعية أخرى، فالمخرج الراحل حسام الدين مصطفى بهرنا بما يسمى بالصدق الحياتي لما يعرض من أحداث وتحليلها الغني في كثير من تفاصيل وخصوصيات سلوك الناس ونفسياتهم، ووسط ومناخ الحدث ونكهة الزمن، ويستخدم هذا التكنيك على نطاق واسع في السينما الروسية، وفي بعض الأفلام التقدمية والإيطالية منها خاصة، وفن إشباع الفيلم بتفاصيل الحياة لم يعد مجرد طريقة تميز الإخراج، بل صفة نوعية لأسلوبية الاتجاه المتقدم في السينما المعاصرة وهي أسلوبية قريبة مما يميز الفن القصصي والروائي في الأدب، هذا غير جماليات الإخراج والتكنيك والحرفية والزوايا البصرية