+A
A-

للقراءة: ”انظر وفکر من العين إلى الروح“ لورانس فانين- فيرنا


يعد هذا الكتاب الجزء الثاني من سلسلة «الفلسفة المفتوحة على الجميع»، بعد الجزء الأول «لماذا نتفلسف؟». وفية لأسلوبها البسيط والتعليمي، تقدم لورانس فانين-فيرنا مبحثا من أهم المباحث الفلسفية وهو الرؤية في إطار سؤال فلسفي حول المعرفة: كيف يتم الإحساس والإدراك؟ كيف يشتغل الذهن في العلم وفي الفن؟ كيف تلقي العين نظرتها على العالم؟ وكيف تتغير هذه النظرة بين الموضوعات إذا كانت حسية أم إنسانية؟ وكيف تصبح النظرة إنسانية عندما تتجاوز الموضوع نحو الذات؟ وأخيرا كيف تصبح نظرة باطنية عندما تنتقل من الجسد إلى الروح؟ ما نلمسه في كتاب لورانس فانين-فيرنا هو أحد المباحث الكلاسيكية في الفلسفة وهو «نظرية المعرفة» (الإحساس والإدراك).
 لكن أثرت الكاتبة أن تدرس هذا المبحث بصورة غير نمطية، بعيدا عن التصورات المستهلكة والتي تتكرر باستمرار؛ فضلت أن تدرسه في إطار مسار دينامي وحي مبني على أسئلة وجيهة، لم تكتف بسرد أساسيات نظرية المعرفة كما يعرفها التلاميذ في الثانوية أو طلاب الجامعة في الجذع المشترك والليسانس أو أي قارئ نبيه، بل أدمجت المعرفة في إطار عام وشامل، يأخذ بعين الاعتبار المعرفة العلمية واستعمالات الرؤية فيها (الملاحظة، التجريب)، ثم المعرفة الأخلاقية بدراسة الجسد والعلاقة بالآخر، ثم المعرفة الجمالية واستعمالات الرؤية في الحكم الجمالي، ثم المعرفة العملية في الرياضة والاستراتيجية العسكرية واستعمالات العين في المراقبة وتسديد الهدف، وأخيرا المعرفة الروحية بالتوصل بعين الروح ورؤية الباطن.
تتيح زاوية الفلسفة للمؤلفة التساؤل حول الجسد وانتشاله من  المادة، وقوانين الجاذبية، ما يسمح به مثال الرقص تحت مسمى النعمة، عندما تعتمد المعرفة الحسية على الذات التي ترى، وعندما لا تكفي الرؤية للمعرفة، وعندما يتعالى الفكر على الإحساس لبلوغ الجميل، فإن المتذوق يكشف برؤيته وبالوعي المرتبط به على إنسانية مشتركة. تتناغم الرؤية والعاطفة والوجدان لتغذية الرغبة ومتعة التأمل، والخلق، والإحساس من أجل الانخراط كلية في لعبة الحياة.
 تنقل إلينا لورانس فانـيـن-فـيـرنا، وتنير لنا، نحن القراء المنتبهون والمبتدئون، معنى هذه المسرحية الإنسانية حيث تسمح الرؤية والروح، بإيعاز من التأمل الواعي، من رؤية مصائرنا والتفكير فيها داخل ائتلاف ينير به الروحي القلب... استنارة جديدة، ذكية ولطيفة، مرتبطة بواقع حياتنا، وطبقا للمقتضيات التي سطرتها المؤلفة، أعني جعل الفلسفة في متناول الجميع!