يضاعف الاستخدام الهائل للتقنيات الجديدة، من الطاقة المطلوبة لتشغيلها، خصوصا على مستوى البيانات الضخمة Big data وتقنية سلاسل الكتل Block chain، المعتمدة على التشفير التراكمي المتعدد. مراكز البيانات الضخمة تحديدًا، تحتاج مخازن كبيرة للغاية لتخزين البيانات ومعالجتها، وتتطلب هذه العملية قدرًا كبيرًا من الطاقة، يستتبع بالضرورة تبريد الأجهزة المستخدمة في التخزين.
وتقدر تقارير دولية استهلاك تلك العمليات بحوالي 10 % من إجمالي استهلاك الطاقة العالمي، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاستهلاك في النمو في السنوات المقبلة، مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية في جميع جوانب الأنشطة.
هنا يكون لدول الخليج الغنية بالنفط والغاز ميزة نسبية، حيث تنخفض فيها أحد عناصر التشغيل وهو الطاقة التي تستخرجها ولا تحتاج لاستيرادها، ما يجعلها أوفر في تقديم مثل تلك الخدمات، وأجدى للمؤسسات العالمية الراغبة في التخزين.
هناك ميزتان نسبيتان أخريان تحققان قيمة مضافة لدول الخليج، ووفرًا لطالبي خدمات التخزين، وهما الموقع الجغرافي وتوافر عوامل الأمان.
تحدثت عن تلك الميزتين في مقال سابق، وأشرت تحديدًا لقيام شركة أمازون ـ أكبر شركات العالم طلبًا لتقنيات التخزين السحابي ـ باتخاذ قرارها من سنوات باعتماد مملكة البحرين مقرًا إقليميا لسحابتها، وهو ما ستتبعه مؤسسات أخرى قريبًا.
ستكون المنافسة على أشدها بين دول الخليج في استقطاب تلك المؤسسات الضخمة، لاسيما بعد الإجراءات الجادة والحثيثة التي اعتمدتها دول الخليج وفي مقدمتها البحرين التزاما بالمعايير البيئية، وخرجت بها مؤخرا من قمة cop28 للمناخ، التي استضافتها العاصمة الإماراتية أبوظبي قبل أسابيع.
لا يجب أن يركن المرء في الخليج والبحرين لما ميزت به الطبيعة البحرين والخليج عموما من وفرة النفط وتوافر الأمان، هناك دور يتوجب عليه القيام به لتحسين الميزة التنافسية لبلده، بعد أن قامت الحكومات بدورها في تهيئة البيئة العملية والبنية الأساسية اللازمة لعمل تلك المؤسسات.
الدور هو خفض استهلاك الطاقة للحد الأدنى، لا لتجنب لسعات فاتورة الاستهلاك المرتفعة، فحسب ـ فهناك أماكن ومرافق عامة يستهلك فيها المرء الطاقة دون عبء مادي يقع عليه ـ ولكن التوفير هنا ينطلق من شعور بالمسؤولية، ويقين بأن ما يتوافر من ناحية، سينعكس إيجابا من ناحية أخرى.