+A
A-

مصانع ألمنيوم الخليج.. للحياد الكربوني دُر

  • أوروبا تفرض ضرائب على الانبعاثات الخطيرة
  • تكتل خليجي لإنتاج "الألمنيوم الأخضر"
  • بوحميد : تطور التكنلوجيا المستخدمة في صناعات الألمنيوم
  • المديفر: الدول العربية تشكل 10% من إنتاج الألمنيوم العالمي

على غير العادة، ارتفعت الأصوات البيئية العالمية من أجل أخذ قرارات مصيرية تجبر الدول الصناعية في العالم أجمع وجميع المصانع، بضرورة خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والأبخرة في الهواء الطلق، وذلك من أجل إنقاذ الأرض من ارتفاع درجات الحرارة العالية التي تهدد الإنسان والبيئة بشكل مباشر. وفي سلم متصاعد من المطالبات، شكل الاتحاد الأوروبي قرارات عدة وصفها بالرادعة لحماية البيئة في العالم من هذه الانبعاثات، إذ أصدر الاتحاد قرارا بفرض رسوم ضريبية على مبيعات المصانع التي تقوم ببث انبعاثاتها في الجو، تقدر بـ 100 يورو نحو (40 دينارا بحرينيا) عن كل طن من الكربون.
وأعلنت بريطانيا أنها ستُطبق آلية جديدة لتسعير واردات الكربون بحلول العام 2027، حيث يتعيّن على السلع المستوردة من دول ذات أسعار منخفضة أو معدومة للكربون، أن تدفع ضريبة بوصفها جزءًا من جهود إزالة الكربون.
ولأن الدول العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص، من الدول العالمية المتميزة في إنتاج الألمنيوم بما يصل إلى 10 % من الإنتاج العالمي، كانت القرارات الرادعة بمثابة سيف مسلط على رقاب إنتاج مصانعها مما جعلها تضع الاستراتيجيات الخاصة لوقف هذه الانبعاثات التي تحتاج إلى سنوات طوال حتى الوصول إلى الحياد الصفري للانبعاثات.


البيئة الخضراء
يعد مشروع الألمنيوم الأخضر جزءا من سياسة المناخ الجديدة، فإنتاج الألمنيوم العالي يتسبب بـ 2 % من انبعاثات الكربون لكل طن ألمنيوم، وهي كمية كبيرة وبحدود مليار و200 مليون طن سنويا في العالم، وإنتاج الكربون لكل طن ألمنيوم يعتمد على نوعية الطاقة التي تختلف ما بين الفحم والغاز وغيرها من الأمور التي ترتبط بدورها في نسب انبعاثات الكربون.
الأمين العام للمجلس الخليجي للألمنيوم، محمود الديلمي، وضع المشرط على قلب المشكلة فأوضح أن: “المطلوب عالميا هو الاتفاق على نوعية الطاقة المستخدمة للوصول إلى إنتاج الألمنيوم لكل طن، بحدود 5 أطنان كربون أو أقل، وهنالك طرق مختلفة لتحقيق ذلك رغم الصعوبة والتكاليف، إضافة إلى أهمية استخدام التكنولوجيا”.
وأشار إلى أن وجود بحوث تجرى بهذا الشأن لدى شركات النفط والألمنيوم في منطقة الخليج العربي، منها حول امتصاص الكربون من الجو والتخلص منه بالأرض، فيما أبدت دول مجلس التعاون الخليجي الاهتمام نحو اعتماد الطاقة النووية كما الحال المعمول به في دولة الإمارات العربية المتحدة، فيما اعتمدت مملكة البحرين تدوير الألمنيوم المستخدم لتقليل الانبعاثات الكربونية وغيرها.


ضرورة الاعتماد
الديلمي أوضح في مداخلته عن أسباب وضرورة اعتماد مصانع الألمنيوم في الخليج على ما أسماه بالألمنيوم الأخضر، ولكن الخبير البيئي كريم راشد أوضح لنا البعد البيئي لهذه المسألة، مبتدئا بالتالي: “إن البعد البيئي أصبح أحد المتطلبات الرئيسة للاستثمار الاقتصادي العالمي، وهذا ينعكس على التشريعات البيئية على المستوى المحلي، إذ إن قانون البيئة شامل وبه صرامة لوقف التدهور البيئي”.
وتابع: “إن البحرين ملتزمة بالاتفاقيات البيئية الدولية بشأن الآثار الجانبية على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والسعي نحو الطاقة المتجددة ليس مجانًا، وهناك حاجة لبنية تحتية من خلال استخدام تقنيات حديثة للوصول إلى الحياد الصفري”.
وعن مبادرة البحرين للوصول إلى الحياد الكربوني الصفري بحلول العام 2060، قال راشد: “يأتي انضمام المملكة في سياق المسؤولية المشتركة مع المجتمع الدولي، لأن تغير المناخ يعد اليوم تحديا عالميا يتطلب التعاون على المستوى الدولي من أجل تحقيق التنمية المستدامة عبر التوسع في مشاريع تنمية الاقتصاد الدائري مع الحفاظ على إبقاء درجة حرارة الأرض دون 1.5 درجة مئوية، كما يشكل القطاع الصناعي في البحرين أحد الأعمدة الرئيسة للاقتصاد، واتضح ذلك في الاستراتيجية الصناعية التي تم تدشينها بالتناغم مع رؤية البحرين الاقتصادية 2030 التي تهدف إلى خفض الانبعاثات، عبر وضع النمو النظيف والأخضر المستدام كمرتكزات رئيسة”.
وزاد: “في هذا الصدد ستبني المملكة اقتصادا دائريا للكربون مدعوما بخطط تحييد مختلفة تشمل على سبيل المثال تقنية احتجاز الكربون والتشجير، ومن الأهداف المرحلية تقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة 30 % بحلول العام 2035، وذلك عبر العمل على مبادرات إزالة الكربون والاستثمار في مبادرات تعزيز كفاءات الطاقة، ومضاعفة الهدف الوطني لزيادة حصة مصادر الطاقة المتجددة في المزيج الكلي للطاقة وزيادة عدد أشجار نباتات القرم إلى 4 أضعاف العدد الحالي، ومضاعفة عدد الأشجار عموما مع الاستثمار المباشر في تقنيات احتجاز الكربون”.
وأكد أن المملكة بدأت في الاهتمام بمشروعات الطاقة النظيفة مع انضمامها كعضو دائم للوكالة الدولية للطاقة المتجددة منذ تأسيسها في العام 2009، إضافة إلى إنشاء وحدة الطاقة المستدامة في سنة 2013 التي ساهمت في زيادة الوعي بمصادر الطاقة المتجددة التي تتميز بكونها أقل كلفة وأكثر قدرة على التعاطي مع تغيرات المناخ ومواكبة التحول العالمي للاستثمار في مجالات الطاقة البديلة.
ولفت إلى وجود وزارة للتنمية المستدامة بالمملكة واستراتيجية وطنية تهدف إلى رفع كفاءة استخدام أنظمة الطاقة، وتوفير ما يقدر بنحو 230 مليون دينار بحلول العام 2025، حيث اعتمدت الخطة الوطنية لاستخدام الطاقات المتجددة العديد من المبادرات ووضع هدف وطني للاعتماد على الطاقة المتجددة بنسبة 5 % من مصادر الطاقة بحلول العام 2025، وسترتفع النسبة إلى 10 % بحلول العام 2035.
شركة البا
تمتلك البحرين أكبر مصهر ألمنيوم في العالم ويوجد في شركة ألمنيوم البحرين (البا)، ولأن البا معنية بقرارات وقف الانبعاثات في البحرين فقد سعت الشركة إلى التحول في مجال الطاقة البديلة. وتؤمن “البا” بأن إنتاج الألمنيوم في الشرق الأوسط سيكون له دور محوري في مواكبة السباق نحو إزالة الكربون، حيث تنتج المصاهر المحلية المعدن ببصمة كربونية منخفضة نسبيًا بفضل توافر الغاز الطبيعي والإمكانات الهائلة للوصول للمزيد من مصادر الطاقة الصديقة للبيئة “الخضراء” في المستقبل.
ومع أخذ هذه المهمة في الاعتبار، يتعين على الشركات الكبرى على مستوى المنطقة الاستمرار في اتخاذ إجراءات استباقية للحد من الانبعاثات وضمان توفير طريقة مستدامة للتحول إلى التقنيات الصديقة للبيئة، إذ تمتلك المنطقة وفرة من مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي يمكن الاستفادة منها لإمداد عملية إنتاج الألمنيوم بالطاقة اللازمة بطريقة أكثر استدامة.
ومن شأن هذا التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة خفض الانبعاثات الكربونية المرتبطة بعمليات توليد الطاقة التقليدية القائمة على الوقود الأحفوري، ومن خلال تبني التحول في مجال الطاقة وإزالة الكربون، فإن هذه الشركات تضع نفسها في صدارة الإنتاج المستدام للألمنيوم، وقد يشمل ذلك الاستثمار في التقنيات المبتكرة، مثل استخلاص الكربون وتخزينه، واعتماد عمليات أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة.


مبادرات البا
وأعلنت شركة ألمنيوم البحرين “البا” عن إنشاء مجمع الطاقة الرابع بمحطة الطاقة الخامسة الذي يعد من أهم المبادرات الرامية للحفاظ على البيئة، إذ سيضيف طاقة إنتاجية تصل إلى 680.9 ميغاوات ليعزز الطاقة الإنتاجية الإجمالية لمحطة الطاقة الخامسة من 1.8 غيغاوات إلى أكثر من 2.4 غيغاوات، كما سيساهم في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة للشركة بواقع 0.5 مع اكتمال المشروع في الربع الرابع من العام الجاري 2024.
في طريق طريقة “البا” للجوانب البيئية والاجتماعية والحوكمة دعمت الشركة تبني العديد من المبادرات البيئية التي تنضوي تحت الخطة الاستراتيجية ومن بينها، حديقة الطاقة الشمسية المزمع إنشاؤها، حيث ستغطي مساحة 37,000 متر مربع بطاقة إنتاجية تبلغ أكثر من 6 ميغاوات سنويًا، من خلال تركيب 11,300 لوحة شمسية على مختلف المباني التابعة للشركة من بينها مصنع معالجة بقايا بطانة خلايا الصهر، ومن المخطط أن تولد حديقة الطاقة الشمسية 10,539 ميغاوات ساعة سنويًا، لتخفيض ما يقارب 7,591,760 كيلوغراما من انبعاثات الكربون على مدى 25 عامًا.
ومن المبادرات البيئية لاستراتيجية شركة “البا” زراعة أكثر من 12,000 شجرة في وحول الطرق المؤدية إلى مصهر “البا” منذ العام 2021 مع الالتزام بزراعة 6000 شتلة سنويا، لإزالة الكربون ومضاعفة عدد الأشجار تماشيًا مع أهداف البحرين بمضاعفة عدد الأشجار بحلول العام 2035، إضافة إلى إنشاء مزرعة أسماك بالقرب من مصنع التلكس والمرفأ البحري التابع لشركة البا في العام 2020، وذلك استجابة للتوجهات الملكية السامية بإنشاء المشاريع الاستراتيجية التي تهدف لتعزيز الأمن الغذائي وإثراء الحياة البحرية، وتشغيل 3 محطات شحن تعمل بالطاقة الشمسية لتزويد المركبات الكهربائية، إذ ستساهم المحطات في خفض ما يقارب 110,000 كيلووات ساعة سنويًا، أي ما يعادل خفض نحو 42 طنًا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وأصبحت البا أول شركة في الشرق الأوسط تنال شهادة الاعتماد للإصدار الثاني والمحدث لمعيار “سلسلة العهدة” من مبادرة استدامة الألمنيوم، وشمل هذا الاعتماد موقع المصهر إلى جانب مصنع التلكس والمرفأ البحري، كما حصلت البا على شهادة معيار الأداء لمبادرة استدامة الألمنيوم منذ العام 2020.

التحدي الخليجي
ما استعرضناه سالفا كان محليا صرفا ولكن المسألة في الخليج تنظر على أنها مشكلة تمس واقع تصنيع الألمنيوم في الخليج العربي ككل، وبذلك يقر نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين بالمملكة العربية السعودية، خالد المديفر، بأن الدول العربية تشكل 10 % من إنتاج الألمنيوم العالمي، وتعد هذه النسبة كبيرة إذا تم استثناء الصين، وستتم مضاعفة إنتاج الألمنيوم العالمي في المملكة العربية السعودية في ظل النمو المتصاعد في إنتاج الألمنيوم، ولدى السعودية خطط مستقبلية لدعم صناعة ألمنيوم الطيران.
وبين أن السعودية تعمل على مضاعفة الجهود للوصول إلى الحياد الصفري وخفض انبعاثات الكربون من صناعات الألمنيوم من خلال دعم المصانع بالطاقة المتجددة عبر الطاقة الشمسية لإنتاج البخار لإنتاج الألمونيا، إضافة إلى شحن الهيدروجين ودعم تقنية الألمنيوم الأخضر وإنتاج الألمنيوم عبر الطاقة الخضراء والنظيفة.

 

اتحاد خليجي
صناع القرار على مستوى إنتاج الألمنيوم في الخليج العربي لامسوا أهمية وضرورة السعي السريع نحو الحياد الصفري، ولذلك عقدوا مؤتمرات وندوات خليجية عدة من أجل المتابعة في تنفيذ خطط استراتيجية، من أجل الوصول للحياد الصفري بكل ما استطاعوا إليه سبيلا.


ومن هذا المنطلق، تحدث المتحدث الرسمي باسم شركة الإمارات العالمية للألمنيوم خالد بوحميد معنا بالقول: “هنالك توجه خليجي جديد بشأن الاهتمام بالبيئة والاستدامة والطاقة النظيفة لخفض الانبعاثات الكربونية في ظل تطور أعمال المصاهر بالتكنولوجيا المستخدمة في صناعات الألمنيوم”.

الالتزام بالمعايير
أما الخبير الاقتصادي البحريني عمار عواجي، فشدد على ضرورة الاستمرار نحو العمل للوصول إلى الحياد الكربوني، الذي سيكون له انعكاسات إيجابية من خلال تبني التكنولوجيا الحديثة التي تحد انبعاث الكربون في المجالات الصناعية إلى جانب المساهمة في تخفيف استخدام موارد تلف الصناعات، مؤكدا في الوقت ذاته أن الشركات البحرينية والخليجية بدأت العمل على استخدام تقليل الانبعاثات وخبث الألمنيوم، بحيث يتم الالتزام بمعايير الحفاظ على البيئة من خلال العمل على تحقيق الحياد الصفري من انبعاثات الكربون لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومواجهة تغيير المناخ.

توصيات بيئية
وحديثا، عقد مؤتمر ناقش الحياد الصفري ووقف الانبعاثات الكربونية في العاصمة السعودية الرياض جمع منتجي الألمنيوم في الخليج وبعد المناقشات في المؤتمر العربي الدولي للألمنيوم “عربال”، نادى المنتدون في المؤتمر بضرورة تفعيل وسائل الطاقة النظيفة عبر مبادرات وشراكات مصانع الإنتاج للألمنيوم بالتعاون مع الحكومات، والترويج إلى فكرة استخدام الألمنيوم الأخضر، وتفعيل الطاقة النظيفة عبر مبادرات مستدامة، وتفعيل ميثاق لحماية البيئة من انبعاثات الكربون ورمي المنتجات التي تحتوي على مواد مصنعة من الألمنيوم، وحماية البيئة من خلال إعادة تدوير خلايا الألمنيوم واستخدام الذكاء الاصطناعي في صناعة الألمنيوم، والتتبع المسؤول لصناعة الألمنيوم بهدف الحد من أي تأثيرات على البيئة، إضافة إلى التحول الدولي للطاقة المتجددة في مجال الألمنيوم، والاستفادة المثلى من الطاقة الشمسية والرياح في مجال الطاقة النظيفة والتحول إلى الألمنيوم الأخضر وإزالة الكربون من صناعة الألمنيوم.


الحياد الصفري
بحرينيا، أعلنت المنامة عن استهدافها للوصول إلى الحياد الصفري من الانبعاثات الكربونية بحلول العام 2060، ولهذا الهدف اعتمدت المملكة مجموعة من المبادرات لإزالة الكربون، ومنها مضاعفة التشجير في مناطق عدة وحماية البيئة ومواجهة تحديات التغير المناخي ورفع مستوى جودة الحياة وحماية الأجيال القادمة من الانبعاثات الكربونية وخبث الألمنيوم.
أما مؤتمر “عربال” العربي الدولي للألمنيوم الذي عقد في العاصمة السعودية الرياض في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر من العام الماضي 2023، بمشاركة 500 متخصص في الصناعات، ناقش أهمية تقليل وخفض انبعاثات الكربون من مصانع ومصاهر الألمنيوم والتحول الدولي للطاقة المتجددة في مجالات الألمنيوم والعمل على تفعيل الحياد الصفري مع تطوير الطاقة المتجددة للمصانع وشركات إنتاج الألمنيوم والاستفادة مع الطاقة الشمسية والرياح في مجال الطاقة النظيفة والتحول إلى الألمنيوم الأخضر في دول المنطقة.