العدد 5692
الأربعاء 15 مايو 2024
banner
أميركا العظمى.. إلى أين المصير؟
الأربعاء 15 مايو 2024

أحد الأسئلة التي تتعرض لها كل الامبراطوريات في مرحلة زمنية معينة “إلى أين تمضي المسيرة، ومتى تكون النهايات والمصير؟”، ويبدو واضحا جدا أنه من سنن الله في الكون، الشروق والغروب، فكما في حياة الإنسان الذي يولد وينمو، ثم يشتد عوده، ويدرك الإنجازات، إلى أن تغرب شمس حياته، كذلك الدول الكبرى عبر التاريخ. لم يشذ أحد عن تلك القاعدة من تاريخ البشر، لاسيما الذين عرفناهم، ومؤكد الذين لم نعرفهم، ذلك أن أحدا من هؤلاء الأخيرين لم يخلد حتى اليوم. عرفت البشرية الحضارة المصرية القديمة، والآشورية، الفرس والروم، الإنجليز والفرنسيين، وفي التاريخ المعاصر الاتحاد السوفييتي أو حلف وارسو، في مواجهة حلف الأطلسي. اليوم يبدو السؤال الذي يشغل بال وحال الكثير من المؤرخين: “ما هو مآل الولايات المتحدة الأميركية، وهل ستغرب شمسها عما قريب، أم أنه لا يزال أمامها متسع من الوقت؟”.
من بين أهم الأوراق التي تناقش هذه القضية الحرجة والحساسة في الأوقات الأخيرة، تلك الدراسة التي صدرت الأسبوع الماضي عن مؤسسة راند للأبحاث، وتعد من أقدم المؤسسات البحثية الأميركية، فقد تأسست عام 1948، وتعد عقل وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”. بصفة عامة تحتاج القوات المسلحة الأميركية، وكذلك القيادة المدنية في وزارة الدفاع إلى عدد لا ينتهي من الأبحاث الموضوعية حول الاتجاهات الجيوسياسية في العالم، وذلك لكي يكون الطرفان جاهزين لتطوير سيناريوهات بشكل واقعي يعتمد على التخطيط والبرمجة المسبقة من ناحية، ولتلافي التقييدات الروتينية والمعوقات الخارجية من ناحية أخرى. الدراسة الأحدث الصادرة عن مؤسسة “راند” تحمل عنوان “مصادر الديناميكية الوطنية المتجددة”، وهي جزء من سلسلة تقارير بتكليف من مكتب البنتاغون لتقييم الوضع التنافسي للولايات المتحدة في مواجهة الصين الصاعدة. ما هو السؤال الرئيس في هذه الدراسة؟ باختصار غير مخل، تتناول الورقة البحثية الأسباب التي تجعل مكانة الولايات المتحدة تتراجع نسبيا حول العالم. 

وما إذا كانت القوى الصاعدة الأخرى ستحتل موقع وموضع واشنطن، في الترتيب الهيراركي للقوة العالمية عما قريب، أو حتى في المدى الزمني المتوسط.
يعن للقارئ أن يتساءل: “هل للأمر علاقة بواحدة من أهم الوثائق التي صدرت في نهاية تسعينات القرن المنصرم؟”.
مؤكد أن ذلك كذلك، أما تلك الورقة، فهي معروفة باسم وثيقة القرن الأميركي، والتي عمل عليها المحافظون الجدد، وهدفها بقاء الولايات المتحدة الأميركية، منفردة بمقدرات العالم طوال القرن الحادي والعشرين. كانت تلك الوثيقة معنية بأمرين، الأول هو وقف عودة روسيا الاتحادية إلى الساحة الدولية، كوريث للاتحاد السوفييتي من جهة، والثاني هو قطع الطريق على الصين، كقوة قطبية نامية قادمة.
والشاهد أنه وقت كتابة تلك الوثيقة، لم تكن الصين قد تبوأت المكانة التي تحتلها اليوم، برا وبحرا، جوا وفضاء، عسكرة واقتصادا، لهذا وجدنا وثيقة الأمن القومي الأخيرة، والأولى التي صدرت في عهد الرئيس بايدن في أكتوبر 2022، تعتبر الصين العدو الأول للولايات المتحدة، رغم أن روسيا هي التي تشعل الدنيا حربا مع أوكرانيا.
تصعب الإحاطة بما جاء في وثيقة “راند الأخيرة”، غير أنه بدون اختصار مخل، تحذر الدراسة من أن الأخطار الداخلية هي التي تهدد مكانة أميركا، وفي مقدمها تراجع نمو الإنتاجية، والشيخوخة السكانية، والنظام السياسي المستقطب، وبيئة المعلومات الفاسدة على نحو متزايد. 
لا يعني ذلك أنه لا توجد مهددات خارجية، ومنها محاولات عدة لتشكيل مجموعات إقليمية وعالمية وازنة، وزيادة حصة الآخرين في التجارة الدولية والاستثمارات الأممية.
هل من نقطة بعينها في الداخل تسبب مخاوف جمة لمستقبل أميركا؟ مؤكد أن ضعف النسيج المجتمعي، وعدم المقدرة على توحيد الرؤية بين اليمين واليسار وزيادة النزعات العرقية، جميعها تجعل مستقبل أميركا كقوة عظمى عرضة لمزيد من التراجع القطبي، وصعود قوى أخرى في المدى المنظور.


كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية