العدد 5699
الأربعاء 22 مايو 2024
banner
قمة البحرين ودعوة القوات الأممية
الأربعاء 22 مايو 2024

أحد أهم الأسئلة التي يمكن للمرء طرحها بعد متابعة مدققة ومحققة للقمة العربية الناجحة في البحرين.. “هل وضع العالم العربي، عبر قادته وزعمائه، إسرائيل بداية، وبقية العالم، أمام استحقاق تاريخي يتعلق بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني صاحب الحقوق التاريخية في الأرض والمقدسات، والذي يعاني حالة غير مسبوقة من الإبادة الوحشية عبر سبعة أشهر، سيما في قطاع غزة بنوع خاص؟ يمكن القطع بأن المطالبة بوضع قوات أممية في الأراضي الفلسطينية، لحين قيام دولة فلسطينية مستقلة، على التراب الوطني الفلسطيني، بدت أمرا مهما للغاية، ومحركا للمياه الراكدة في ضوء عدة حقائق تاريخية، وفي ظل وقائع آنية تستدعي تحركا عاجلا.
البداية من عند الواقع الإسرائيلي الرافض لإحقاق الحقوق التاريخية، والمتشبث بمنطق “القوة المسلحة الغاشمة”، لاحتلال الأراضي، ولإنكار حقائق ساطعة كالشمس تتعلق بتاريخ الوجود العربي الفلسطيني فوق الأرض المقدسة. ثانيا، يبدو العالم أمام دولة الاستعمار الوحيدة المتبقية في حاضرات أيامنا، والتي تعتمد على الحديد والنار في إرغام أصحاب الأرض الأصليين على قبول الواقع الحالي، كواقع نهائي، وهو ما تثبت التجربة الأخيرة في السابع من أكتوبر المنصرم أنه واقع أبوكريفي مكذوب، غير حقيقي، ولا يمكن أن يستمر. ولعل من الحقائق المؤكدة أنه ما من قوة يمكنها أن تكسر أو تقهر الإرادة الوطنية، لأمة أو شعب، سيما إذا كان صاحب حق أدبي ومادي، حق لا تنكره صفحات التاريخ، ولا يمكن أن تغيره حقيقة الجغرافيا المستحدثة، كبناء المستوطنات، أو بالأحرى المستعمرات وقضم الأراضي، يوما تلو الآخر. لم تتعلم إسرائيل الدرس من نهار السادس من أكتوبر من عام 1973، حين زلزلت القوات المسلحة المصرية واقعها، ما غير أوضاعها، وبدل طباعها، ويعرف القاصي والداني أنه من دون الدعم الأميركي العسكري والجسر الذي أنشأته واشنطن لجهة تل أبيب، لكان المشهد الداخلي تغير بصورة لا يمكن التنبؤ بها.

مرة أخرى تكرر المشهد في أكتوبر الماضي، وسواء اتفقنا أو اختلفنا، من حيث تقييم عملية حماس، فإن الأمر المؤكد بصورة مطلقة هو أن فكرة بقاء الأوضاع على هذا النحو، سواء في غزة أو في الضفة الغربية هو أمر لا يمكن أن يظل إلى الأبد.
من هنا تتعالى الأصوات داخل إسرائيل، بشأن فكرة البقاء مرة وإلى الأبد على حد السيف، أي استنادا إلى القوة العسكرية، والدخول في المعارك الحربية. 
اختار العرب طريق السلام، وأكدوا عليه في قمة البحرين، وكانت مصر قبل أربعة عقود ونصف قد رجحت هذا الخيار، وقدمت في ذلك الوقت البعيد فرصة ذهبية لحل القضية الفلسطينية، لكن ومن أسف، فإن الفلسطينيين أنفسهم في ذلك الوقت، وقطاع واسع من العالم العربي، اعتبروا أن مصر قد باعت، وفي منطوق آخر، قد خانت القضية الفلسطينية. أثبتت الأيام لاحقا وبعد أوسلو أن السلام هو الحل، وبدا وكأن هناك في الداخل الإسرائيلي من يرغب في تجاوز كبوات الماضي، لكن أضواء أوسلو ما برحت تخفت إلى أن وصلت حالة العدم. 
على الرغم من ذلك، ظهرت توجهات عربية لجهة سلام حقيقي مع إسرائيل، تمثلت في مملكة البحرين، والإمارات العربية، وتحدث البعض الآخر عن رغبة في السلام، لكن جميعهم كانت القضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني، والدولة الفلسطينية المستقلة، ماثلة أمام أعينهم كقيمة أخلاقية وقانونية دولية لا يمكن التخلي عنها. 
 الرد الإسرائيلي على السلام العربي، يمكن للمرء أن يطالعه في مدن غزة، حيث أكثر من 35 ألف قتيل، ونحو 100 ألف مهجر.
هل هذا هو الوقت الذي يتوجب فيه على مجلس الأمن أن يبادر بدعم المقترح العربي، بنشر قوات أممية تحمي العزل المدنيين من الوحشية العسكرية الإسرائيلية؟
يكفي القادة العرب أنهم وضعوا العالم أمام لحظة اختيار حقيقية، لا مراوغة فيها، ولا فكاك من الوقوف أمامها، إما بضمير حي، أو زيف تاريخي قد يسانده الفيتو الأميركي وهو أمر متوقع. 
وفي كل الأحوال تبقى الحقيقة المؤلمة، وهي أن نافذة السلام تضيق بسبب إسرائيل يوما تلو الآخر.

كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .