العدد 5707
الخميس 30 مايو 2024
banner
ماذا فعلت؟
الخميس 30 مايو 2024

صدمة العمر، أنك وبعد أن تُفني زهرة شبابك في تربية أبنائك، فتحرم نفسك من كل شيء، لتقدم لهم أفضل ما يمكن من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، وترفيه وسفر، وتوفر لهم أفضل تعليم ليرتقوا في حياتهم وينالوا ما لم تنل من حظوظ العلم والعمل، تجد نفسك وأنت في آخر سنوات حياتك وحيداً! لا يسأل عنك منهم أحد، وإن التقوا بك بعد هجر طويل كان سلامهم خالياً من المشاعر، كجسدٍ غادرته الروح فغدا بارداً، كبرودة أجساد الموتى!
سؤال كانت تردده أم سبعينية بألم وقهر، ماذا فعلت؟ لماذا تتعامل بناتي الثلاث معي بهذا الشكل؟ ما الذي قصرت فيه معهن كي ألقى منهن ما ألقى من جحود لكل ما قدمته لهن في سبيل تربيتهن، وتعليمهن؟ أحتاج وجودهن بقربي وأنا في آخر سنوات عمري، ألتفت يمنة ويسرى ولا أجدهن حولي، فلا هاتف يرن للاطمئنان علي، ولا جرس باب يطرق علي، وإن زرنني خلال فترات طويلة متباعدة كان سلامهن كواجب، لا حرارة فيه ولا مشاعر! أحياناً أعطيهن العذر وأقول ربما هي ضغوط الحياة وثقل المسؤوليات التي عليهن، فأبعدتهن! ولكن، إلى متى سيكون هذا العذر مقبولاً؟ وأعود وأقول، أليس من المفترض أن يشتقن لي بعد طول غياب؟ وهن اللواتي وإن مررن علي كان كمرور المغصوب الذي يتحين الوقت الذي يغادر فيه، فلا حديث ولا كلام، كالصم البكم، بل هن للأصنام أقرب، فيغادرن كما لو لم يزرنني أصلاً! سؤال هذه الأم قد يجري على ألسن الكثير من الأمهات والآباء، فتجدهم يتساءلون عما اقترفوه من ذنب لينالوا من فلذات أكبادهم هذا الجحود والنكران. يقفون على عتبات الندم على إنجاب أبناء كانوا يظنون يوماً أنهم السند في آخر العمر، وذخيرتهم في الدنيا، وبعد أن يتوسدوا قبورهم ببرهم بدعاء لهم وعمل الخير في ثوابهم، ليكتشفوا أنهم بذلوا ما بذلوا في أبناء، الغريب عليهم أحن وأكثر خيرا. فعجبي، من أبناء يدعون أنهم متعلمون ومثقفون، وهم جهلاء في الأخلاق والدين، فسقطوا في أهم امتحان.
ياسمينة: “وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا” (الأحقاف 15).
* كاتبة بحرينية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية