+A
A-

فيدريكو فيلليني.. والتحليق في عوالم ضائعة غائمة بعيدة عن الواقعية المتزمتة

إذا كان صحيحا ان الإنتاج الألماني التعبيري هو الذي ادخل بالقوة المذهب الفلسفي الذاتي إلى السينما، فيجب الإقرار بأن المخرج الإيطالي فيدريكو فيلليني هو الذي أكد هذا الاتجاه. فلليني مزقته التربية الدينية وسيطرت عليه الناحية الشريرة في الجمال، وانجذب الى هوة روحية واستخدم السينما كنوع من التطهير النفسي اللاشعوري الذي تبعث فيه ذكرياته.

كتاب "روما فيلليني" والذي يحتوي على ذكريات ويوميات وأفكار حول هذا الفيلم، ورغم أنه إصدار قديم نوع ما، إلا أنه يحمل سمات فكرية معينة تتوفر في فيلليني بدرجة عالية إلى جانب خبرته في الكتابة والرسم، والتحليق في عوالم ضائعة غائمة بعيدة عن الواقعية الجديدة المتزمتة.

  1. فيلليني لا يقبل العالم الذي نعيش فيه، يريد صياغة عالم خاص وفق تصوره هو. إنه لا يقبل الطبيعة ولا يقبل إنجازات البشر. كبرياؤه، يدفعه إلى إعادة صياغة كل شيء، لقد سبق له، في مسرح العرائس الذي كان يديره، أن صنع مدن وغابات وهضاب. نزعة طفولية للتملك، إنها عرائسه هو. أفلامه ما هي إلا عرائسه.
  2. فيلليني لا يحتمل وجود الغرباء أثناء ممارسة تمارين المونتاج الروحية... يقول أحدهم، كنت أنجح أحيانا في الاقتراب للحظة قصيرة. سمعت تمتمة، ولمحت ظلال تتحرك برصانة كهنوتية، رأيت ظلالا تنزلق على الشاشة الصغيرة، تتوقف فجأة قبل أن تعود إلى الخلف. هنا اكتشفت فيلليني مختلفا، لا تستهويه الدعابة، كأنه حزين. في الحقيقة، المونتاج لا يختلف كثيرا عن الاعتراف، والاعتراف يترافق دوما بشيء من الكآبة. على الأرض تنتشر البقايا. يعاب على فيلليني غالبا كثرة ما يستبعده من المادة المصورة، بحجة أن الصور المحذوفة لا تقل جمالا عن تلك التي يحتفظ بها. لكن مهارة فيلليني في المونتاج لا تضاهى.
  3. سئمت هذا المونتاج، أتمنى أن أخلص منه، لم أعد أحتمل ". يحس فيلليني بالضجر مع بداية مونتاج كل فيلم من أفلامه. وعندما يبلغ منتصفه تراه يستعيد صفاءه، لكن عند النهاية يعود من جديد  إلى الملل والتقزز.
  4. أنا فيلليني ". يتمتم في الهاتف، وهذه الجملة تفتح أمامه كل الأبواب. عندما يواجه فيلليني إحدى العقبات يلجأ إلى وسائل متطرفة، يبعث بأحد" العنيدين "ليتوسل إلى الشخص القادر على منح رخصة التصوير في متحف، أو فيلا، أو أي مكان آخر محرم." إذا رفضتم منحي رخصة التصوير سيطردني فيلليني من العمل، عندي خمسة أطفال أنتم لا تعرفون فيلليني، إنه لا يمزح مطلقا.
  5. هنالك دوما كوميديا داخل الكوميديا في هذا الفيلم، كما في كل أفلام فيلليني، ثمة فيلم صغير آخر مخصص للمخرج، أقصد المجموعة التي يحيط فيلليني نفسه بها غالبا. فيلليني ولد مخرجا، ويظل مخرج حتى في المطعم، على الطريق، في كل مكان. يحتاج إلى وجود أشخاص نموذجيين، معبرين. هؤلاء يتميزون وفقا لخصائصهم الفردية.
  6. يحب فيلليني الزيارات اللامرتقبة، الفنادق في غير مواسمها، تفصيلات وجزئيات الحياة اليومية في المدن. يحب تلك الإنسانية الممزقة التي لا تخلو من الطيش، تلك الإنسانية المطعونة والمتمردة الهائجة. يحب الوحشة.
  7. أريد تصوير لقطات من الطائرة المروحية، أريد أن أرى من أعلى كيف تتشكل الغيوم فوق روما، أن التقط تلك الكتل الضخمة الملونة وهي تتجمع ثم تتمزق وتتباعد.