العدد 5713
الأربعاء 05 يونيو 2024
banner
عن منتدى التعاون الصيني العربي
الأربعاء 05 يونيو 2024

الأسبوع الماضي، جرت المقادير بلقاء بين العرب والصينيين، يحسبه المرء واحدا من أهم اللقاءات المعولمة في حاضرات أيامنا. جاء لقاء القادة والزعماء العرب مع القيادة الصينية متمثلة في الرئيس شي جين بينغ، في أعقاب قمة البحرين الناجحة التي جمعت من جديد شمل العالم العربي، ورسمت ملامح ومعالم للخطوات التي لابد من السير في هديها، لاسيما في هذه الأوقات العصيبة التي يتهدد فيها الأمن القومي العربي من الخارج، وبنوع خاص محاولات تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهلها وأصحابها الشرعيين. عدة تساؤلات تقابلنا في طريق تلمس محاولة لفهم أبعاد ذلك المنتدى، وتبدأ من عند العلاقات العربية الصينية، وهل هي مستحدثة أم أن جذورها ضاربة في القدم؟
الحديث طويل، ومنه نشير إلى ما ذكره عالم الفلك والمؤرخ الأندلسي، أبوالقاسم حامد الأندلسي، المعروف بابن صاعد، في كتابه الشهير “طبقات الأمم”، من أن الصين هي “الأكثر عددا، وأفخمها مملكة، وأوسعها دارا”. سارت القوافل بين بلاد العرب والصين عبر طريق الحرير القديم، وهاهي الأيام تدور، لا ليكرر التاريخ نفسه، بل ليقدم فصلا جديدا من فصول التواصل الإنساني والتبادل المعرفي والحياتي. اليوم تمضي جمهورية الصين الشعبية في طريق إحياء الطريق القديم، وإن بوسائل عصرانية، تتجاوز الاقتصاد إلى السياسة، وضمن متغيرات جيوسياسية سريعة تشمل العالم برمته. جاء المنتدى الأخير ليعزز بالفعل حالة الحوار والتعاون بين العرب وجمهورية الصين الشعبية، في عالم لم يعد من الممكن أن يقبل فيه أحد بفكرة القطبية الواحدة. هل تمثل جمهورية الصين الشعبية أهمية استراتيجية ما في الوقت الراهن على الصعيد العالمي؟ بدون تطويل ممل أو اختصار مخل، لقد تحرك قلب العالم، كما يقول الجغرافي البريطاني الكبير السير “هالفي ماكندر”، فلم تعد أوروبا كما ظلت طوال خمسة قرون خلت، هي ركيزة العالم، إذ انتقلت الكرة اليوم إلى آسيا، ومن هناك تبدو شمسا جديدة تشرق على العالم.

لماذا الانفتاح العربي على جمهورية الصين الشعبية وفي هذا التوقيت بصورة خاصة؟ المؤكد أن هناك حالة صحوة في الفكر العربي، تسعى لمد الجسور مع بقية بقاع وأصقاع الكرة الأرضية، عبر دبلوماسية مستنيرة، لا تحصر نفسها في علاقات مع طرف واحد، مهما تعاظم شأنه السياسي، أو قدراته العسكرية، وهذا ما نطلق عليه، فلسفة “ضبط المسافات”، بين مختلف القوى العالمية، في عالم ماض قدما في طريق تعددية معولمة، تتبدى ملامحها ومعالمها في الوقت الراهن.
يمكن للصين اليوم أن تلعب دورا متقدما جدا في محاولة إعادة ضبط ميزان العلاقات الدولية، والذي اختل منذ انفراد الولايات المتحدة الأميركية بمقدرات المشهد العالمي، غداة انهيار الاتحاد السوفييتي في نهاية ثمانينات القرن الماضي. 
هذا الدور سيكون ولاشك فاعلا ومؤثرا، فبحسب المنطوق التاريخي للامبراطوريات يبدأ المد والتصاعد من عند تعاظم الشأن الاقتصادي، وهذا ما نراه جليا في حالة الصين، حيث ينتظر أن يكون اقتصادها هو الأول والأكبر عالميا في عام 2030، وبما يتجاوز الولايات المتحدة الأميركية. تاليا، تنشأ بشكل طبيعي على ضفاف النهضة الاقتصادية، ومع امتدادها للخارج، قوة مسلحة ترعى صالحها ومصالحها، خارج ترابها الوطني، ما يعني بلورة قوة عالمية، قادرة على التحرك في البحر والبر والجو، وهذا هو التعريف المبسط للامبراطوريات. 
يمكن للصين في الوقت الراهن أن تلعب دورا وازنا ومهما في أزمات الشرق الأوسط، سيما أن فلسفتها التي قامت عليها منذ زمن كونفوشيوس، وصن تزو، تعتبر أن الاختلاف أمر طبيعي وشأن بشري، يمكن أن يحدث، لكن من دون أن يكون هذا سببا لنفي الآخر أو عزله وإقصائه.
الصين اليوم مدعوة لتلعب دورا حياديا في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وفكرة مؤتمر السلام الذي يمكن أن تدعو إليه تبدو فكرة مهمة وحيوية للغاية في وقت الأزمة هذا، وهو ما عبر عنه الرئيس بينغ، والذي استخدم تعبيرا سياسيا ودبلوماسيا جديدا وثريا في معناه ومبناه “سلام واسع النطاق”.
ما جرى في بكين الأسبوع الفائت خطوة تقدمية للدبلوماسية العربية، والنتائج المترتبة على ذلك المنتدى ستتجلى آثارها الإيجابية عما قريب.
إنه وقت شمس آسيا الساطعة على الشرق الأوسط من جديد.


كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية