+A
A-

"قاسم حداد.. هزيع الباب الأخير" تحطيم النظرة التقليدية للسينما الوثائقية

ما يستدعي النظر في الفيلم الوثائقي "قاسم حداد.. هزيع الباب الأخير" للصديق الفنان والمخرج خالد الرويعي، هو خصوصية جديدة والاقتراب الحميم الصادق من تجربة شاعرنا الكبير قاسم حداد "إبداعا وإنتاجا وعرضا" من خلال لقطات تميزت بقدر كبير من الحيوية والتلقائية وإضافة المضمون الشعري إلى الشكل الذي تتخذه السيمفونيات الفيلمية في التصوير، ونظرة مغايرة عن تلك الأفلام الوثائقية التي ألفناها من حيث الاقتراب من الواقع والكشف عن أعماقه، كما أضافت موسيقى الفنان الكبير خالد الشيخ عمقا رقيقا على الصورة التي لم تخلو من الروعة والنسيم العابر الذي ينعش الروح والفؤاد، والهواء البارد الذي يمر على الجرح، وخلقت حالة وجدانية لدى المتفرج.
الثقافة السينمائية التي تشبع بها الفنان الرويعي بفضل تكوينه المسرحي "ونعني المسرح التجريبي" الذي له فلسفته وأسلوبه في العمل الطليعي، لعبت دورا مركزيا في عملية التحديث والتوظيف الجمالي للتقنيات في هذا الفيلم وعالمه الثري الذي يمتلئ بالفتنة، من مؤثرات بصرية، وصوت ومونتاج مخالف لما هو سائد، وكأن بصديقنا الرويعي يسمو بفيلمه إلى مستوى المغامرات الفكرية الفسيحة ليكسب الفيلم طابعا ثوريا مميزا، وقد نجح، حتى يخيل إليك أنك تقرأ قصيدة شعرية تغوص بك في قاع عميق تهلل وتكبر كأنه يوم عيد، أو أنك تسير في دروب إبداعية رحيبة تشبه تجارب فيرتوف الشكلية، وملاحم فلاهرتي الإثنوجرافية، وقصائد جان فيجو الذاتية، وأفلام ديفنشتال.
لظروف ما لم أحضر العرض الأول للفيلم، وفي كل مرة أعد الصديق خالد الرويعي بمشاهدة الفيلم والكتابة عنه، وبين حين وآخر نقرأ أن الفيلم يحقق جائزة بعد جائزة، حتى وصل عدد الجوائز التي حصدها 30 جائزة من أهم وأعرق المهرجانات السينمائية العالمية، وآخرها جائزة "قلم الشرف" من الهند، وهذا يعني أننا أمام مستقبل أكثر إشراقا للسينما الوثائقية في مملكة البحرين، وفنان ومخرج جمع بين الشكل الفني الرفيع والرسالة الاجتماعية المحددة، وحطم النظرة التقليدية تجاه السينما الوثائقية واستطاع أن يطور خطابا سمعيا بصريا مغايرا ورؤية فنية حداثية تضفي حيوية جديدة على السينما، وفتح أمامه آفاقا عالمية واسعة بكل العوامل والمسببات.
الفن لا يمكن أن يكون فنا عظيما، إلا إذا اهتم بزيادة نصيب الناس من السعادة، أو توسيع قدرتنا على تعاطف بعضنا مع بعض، أو عرض الحقائق القديمة والجديدة عن أنفسنا وعن علاقتنا بالحياة، وفيلم "قاسم حداد.. هزيع الباب الأخير" فعل ذلك على المستوى الجمالي والإبداعي.