+A
A-

بوتين من بيونغ يانغ: "وثيقة تأسيسية جديدة" لتعزيز العلاقات الثنائية

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، خلال قمة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في بيونغ يانغ أن "وثيقة تأسيسية جديدة" للعلاقات بين موسكو وبيونغ يانغ باتت "جاهزة".

وقال بوتين، الذي دعا كيم إلى زيارة موسكو، بحسب ما نقلت عنه وكالات الأنباء الروسية: "اليوم باتت وثيقة تأسيسية سترسي أسس علاقاتنا على المدى الطويل، جاهزة"، مؤكدا أن موسكو وبيونغ يانغ "تقدمتا كثيرا" على طريق تعزيز الروابط الثنائية بينهما.

وأكد الرئيس الروسي، في مستهل محادثاته مع زعيم كوريا الشمالية، بصيغة موسعة، أن التعاون بين البلدين يقوم على المساواة والاحترام المتبادل.

وقال بوتين: "يقوم التعاون بين بلدينا على مبادئ المساواة والاحترام المتبادل لمصالح بعضنا بعضا". كما أشار إلى أنه مسرور للغاية باستغلال دعوته وزيارة كوريا الشمالية، وأضاف: "تربط بين روسيا وكوريا الشمالية صداقة متينة وحسن جوار وثيق منذ عقود عديدة".

وشكر بوتين كيم جونغ أون على دعوته لزيارة بيونغ يانغ، وأعرب عن أمله بأن يعقد لقاؤه المقبل مع زعيم كوريا الشمالية في موسكو. وأضاف الرئيس الروسي: "أنا على قناعة بأن محادثاتنا اليوم ستكون مثمرة"، موضحا أن رئيسي الحكومتين والهيئات المختصة في كلا البلدين يعملون بنشاط لتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال زيارات كيم جونغ أون إلى روسيا في عامي 2019 و2023.

 

كيم: طور ازدهار جديد للعلاقات مع روسيا

ومن جانبه، أكد الزعيم الكوري الشمالي خلال قمة مع الرئيس الروسي في بيونغ يانغ أن العلاقات بين البلدين تدخل "طور ازدهار جديدا" متعهدا تعزيز "الصداقة المتقدة" بين البلدين.

وقال كيم وفق تصريحات مترجمة إلى الروسية أوردتها وكالات الأنباء الروسية: "تدخل العلاقات بين بلدينا طور ازدهار جديدا وكبيرا لا يمكن مقارنته حتى بمرحلة العلاقات السوفياتية الكورية في القرن الماضي".

وأضاف كيم أن "حكومة جمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية تقدر المهمة الهامة والدور الذي تلعبه روسيا قوية في الحفاظ على الاستقرار والتوازن في العالم"، مؤكدا "الدعم الكامل" للعملية العسكرية التي اطلقتها روسيا في أوكرانيا في شباط/فبراير 2022.

وتابع أن كوريا الشمالية "ستعمل على تعزيز اتصالاتها الاستراتيجية مع روسيا والسلطات الروسية" في مواجهة الوضع "الذي يزداد تعقيدا" في العالم.

وحضر الرئيس الروسي والزعيم الكوري الشمالي، مراسم كبيرة في الساحة الرئيسية في بيونغ يانغ، الأربعاء، قبيل انطلاق القمة بينهما، وفق ما ذكرت وكالات روسية.

وذكرت وكالة "إنترفاكس" أن "موكب الرئيس الروسي تتقدمه سيارة أوروس (ليموزين) التي كان بوتين يستقلها توجهت إلى ساحة كيم إيل سونغ"، حيث استقبل كيم بوتين قبيل اجتماعهما في دار ضيافة كومسوسان الرسمي، وفق وكالة "ريا نوفوستي".

ووصل بوتين إلى بيونغ يانغ في وقت مبكر من صباح الأربعاء، في أول زيارة له لكوريا الشمالية منذ 24 عاما.

ومن المتوقع أن يناقش بوتين مع كيم خلال محادثاتهما، الأربعاء، بناء علاقات عسكرية بين البلدين، نقلا عن فرانس برس.

وذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية، أن الزعيمين الكوري الشمالي والروسي تبادلا الأفكار بذهن منفتح من أجل مواصلة تطوير العلاقات بين البلدين. الوكالة اعتبرت أن اللقاء بين الزعيمين يظهر "صلابة ومتانة" الصداقة والوحدة بين كوريا الشمالية وروسيا.

وأعلن الكرملين أن زيارة بوتين إلى بيونغ يانغ تهدف إلى تعزيز العلاقات الدفاعية بين الدولتين المسلّحَتين نوويا.

وقبيل وصول بوتين في ساعة متأخرة ليل الثلاثاء، عُلّقت لافتات ضخمة على أعمدة إنارة في أنحاء بيونغ يانغ تحمل صورة الرئيس الروسي مبتسما وكتب عليها "ترحيب حار بالرئيس بوتين"، بالإضافة إلى أعلام روسية، وفق ما أظهرت مشاهد لوسائل إعلام روسية رسمية.

وهذه أول زيارة لبوتين إلى الدولة المعزولة منذ 24 عاما، في وقت تشهد الحدود بين سيول وبيونغ يانغ توترات بعدما عبَر عشرات الجنود الكوريين الشماليين لفترة وجيزة الحدود شديدة التحصين مع الجنوب لكنهم عادوا أدراجهم بعدما أطلق الجيش الكوري الجنوبي طلقات تحذيرية.

وفي حادث آخر، أصيب عدد من الجنود الكوريين الشماليين المتمركزين قرب الحدود مع كوريا الجنوبية بجروح في انفجار لغم أرضي، حسبما ذكرت وكالة يونهاب أيضا نقلا عن هيئة الأركان المشتركة في الجيش الكوري الجنوبي.

علاقات وثيقة وقلق أميركي

بدأ تحالف موسكو وبيونغ يانغ منذ تأسيس كوريا الشمالية بعد الحرب العالمية الثانية، وتوثّقت علاقتهما بشكل أكبر منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في العام 2022 وتحرك الغرب لعزل بوتين على الساحة الدولية.

وبحسب الغرب، استخدمت بيونغ يانغ مخزونها الضخم من الذخائر لتزويد روسيا كميات كبيرة منها، واتهم البنتاغون موسكو الأسبوع الماضي باستخدام صواريخ باليستية كورية شمالية في أوكرانيا.

وتقول واشنطن وسيول إن روسيا في المقابل زودت كوريا الشمالية الخبرة اللازمة لبرنامجها للأقمار الاصطناعية وأرسلت مساعدات لمواجهة نقص الغذاء في البلاد.

ورغم أن كوريا الشمالية نفت إمداد روسيا بمعدات عسكرية، شكر بوتين قبل رحلته حكومة كيم جونغ أون على مساهمتها في المجهود الحربي.

وقال بوتين في مقال نشرته وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية "نحن نقدر عاليا دعم جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (كوريا الشمالية) القوي للعمليات العسكرية الخاصة التي تنفذها روسيا في أوكرانيا"، مضيفا أن البلدين يعملان على توسيع "تعاونهما المتبادل وعلى قدم المساواة".

ويخضع البلدان لعقوبات فرضتها الأمم المتحدة، بيونغ يانغ منذ العام 2006 بسبب برامجها النووية والصواريخ الباليستية المحظورة، وموسكو بسبب غزوها أوكرانيا.

وأشاد بوتين بكوريا الشمالية "لدفاعها عن مصالح (البلدين) بشكل فعال رغم الضغوط الاقتصادية والاستفزازات والابتزاز والتهديدات العسكرية الأميركية المستمرة منذ عقود".

كذلك أشاد بموسكو وبيونغ يانغ "لحفاظهما على النهج المشترك ومواقفهما في الأمم المتحدة".

وقالت كوريا الشمالية إن الزيارة تظهر أن العلاقات الثنائية "تزداد قوة يوما بعد آخر".

ووصفت كوريا الشمالية الاتهامات الغربية بتزويد روسيا أسلحة بأنها "سخيفة".

وفي آذار/مارس، شكرت بيونغ يانغ روسيا لاستخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي لوضع حد لمراقبة انتهاكات العقوبات الدولية المفروضة عليها.

وأعربت الولايات المتحدة عن "قلقها"، الاثنين، بشأن زيارة بوتين بسبب التداعيات الأمنية على كوريا الجنوبية وأوكرانيا.

وبقيت الكوريّتان في حالة حرب من الناحية التقنية منذ نزاع 1950-1953، وتعد الحدود التي تفصلهما واحدة من الأكثر تحصينا في العالم.

وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي لصحافيين الاثنين "ما يقلقنا هو تعمّق العلاقات بين هذين البلدين".

وأضاف أن القلق لا يقتصر فقط على "الصواريخ الباليستية الكورية الشمالية التي تستخدم في ضرب أهداف أوكرانية، بل أيضا لأنه قد يحصل تبادل من شأنه أن يؤثر على أمن شبه الجزيرة الكورية".

مواجهة العلاقة الوثيقة بإمدادات لكييف

وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ، الاثنين، في واشنطن إن زيارة الرئيس الروسي تظهر "مدى اعتماد الرئيس بوتين وموسكو الآن على الدول الاستبدادية في كل أنحاء العالم".

وأضاف "أقرب أصدقائه وأكبر الدول الداعمة للمجهود الحربي الروسي، الحرب العدوانية، هي كوريا الشمالية وإيران والصين".

بدوره، دعا وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، المجتمع الدولي إلى مواجهة العلاقة الوثيقة التي تربط بوتين وكيم عبر زيادة إمدادات الأسلحة إلى كييف.

وقال "أفضل طريقة للرد عليها (الزيارة) هي مواصلة تعزيز التحالف الدبلوماسي من أجل سلام عادل ودائم في أوكرانيا وتسليم المزيد من صواريخ باتريوت والذخائر إلى أوكرانيا".

ووصف يوري أوشاكوف المستشار الدبلوماسي لفلاديمير بوتين زيارة الأخير بأنها محطة مهمة للبلدين الخاضعين لعقوبات غربية، وقال لوسائل إعلام روسية إنه ستوقّع خلالها "وثائق مهمة للغاية"، مشيرا إلى "احتمال إبرام اتفاق شراكة استراتيجية شاملة".

من جهته، قال بروس بينيت، محلل الشؤون الدفاعية في مؤسسة راند، لوكالة يونهاب إن كوريا الشمالية يمكن أن تتعهّد "تزويد روسيا إمدادات متواصلة من المدفعية والصواريخ الموجهة والصواريخ القصيرة المدى لدعم العمليات الروسية في أوكرانيا".

وفي المقابل تريد "أن تقدم روسيا مجموعة من التقنيات المتقدمة" بالإضافة إلى "تدفق كبير للمنتجات النفطية والغذائية الروسية إلى جانب مدفوعات بالعملة الصعبة".

وأصدر الكرملين الثلاثاء بيانا يؤكد فيه أن روسيا تخطط لتوقيع شراكة استراتيجية مع كوريا الشمالية.

كذلك، أشارت وسيلة إعلام رسمية روسية إلى أن بوتين قد يسعى إلى تقديم مزيد من الدعم لكوريا الشمالية من أجل الالتفاف على العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها.