العدد 5729
الجمعة 21 يونيو 2024
banner
“عبدالموجود” والطريق المسدود
الجمعة 21 يونيو 2024

عيد الأضحى المبارك الذي أرخى سدوله منذ مطلع الشهر الجاري، ترك لنا فرصة سانحة لتفقد ما يجري على الساحة الثقافية العربية، أخبار الأدب، وحكايا المثقفين على أدوات التواصل، نكات البعض و”بوستات” البعض الآخر، مقال مارق من هنا وآخر متجذر من هناك. مجرد مقال خرج به أحد الصحافيين على صفحات “أخبار الأدب”، الموضوع عن شعراء التسعينيات والهجوم على شعراء السبعينيات، حسن عبدالموجود جزاه الله كل خير يقول إن القصيدة المصرية وصلت إلى طريق مسدودة على أيدي شعراء السبعينيات، وقال بالحرف الواحد: مات صلاح عبدالصبور، وأمل دنقل، وهاجر عبدالمعطي حجازي، وخلا المشهد لجيل السبعينيات الذي أحال القضية إلى ألاعيب لغوية آيديولوجية، تستقي مرجعيتها الكاملة من تنظيرات أدونيس.

والحق أقول إن السيد عبدالموجود لم يخطئ لأن كثيرين من جيلنا الذي أتشرف بالانتماء إليه كان يضع أدونيس على “سدرة منتهى” القصيدة العربية، على نعش من عاداه من أجيال وأفكار وقصائد، تمامًا على طريقة العالم السويسري “الجليل” ستيفان جاريللي الذي بشر مع مطلع الألفية بأن “التاريخ يبدأ غدًا”. ومن دون الانضمام إلى ديوان المظالم الافتراضي الذي كان يستقبل عشرات الشعراء مع إشراقة كل صباح، فإنه وللحق أقول إن أدونيس أوقع رغم اجتهاده المثير جيلاً كاملاً فيما أطلق عليه آنذاك بـ “التجريب” و”تثوير اللغة” و”تدريم القصيدة”، وغيرها من المصطلحات التي تلقفها السياسيون قبل الأدباء ليروجوا لها على الساحة الثقافية المصرية والعربية. لقد كان “أدونيس” إمامًا لجيل بأكمله، ومصطلحًا افتراضيًا لما كان سائدًا على الساحة من أشعار لم ترتكب من الحماقات أكثر مما ارتكبه المجددون في أجيال سابقة، وأقل مما يحاك اليوم من إزالات لأنقاض كان لابد من إزالتها في حينها قبل أن تتعفن الأراضي “البور” وتصبح غير صالحة لأي شيء.

“أدونيس” كان مغامرًا، وكان ومازال مفكرًا، وكان ومازال مبدعًا في حد ذاته، ولكن بعيدًا عن حدود الآخرين، ليست مشكلة أنه مازال يفكر ويفكر، أو أنه كان يفكر ويفكر، بقدر ما هي مشكلة السياسيين الذين ارتأوا في “الثابت والمتحول” مدخلاً شعريًا لمواقفهم الآيديولوجية، ارتأوا فيه مثلاً أن “الموقف الأدبي” لا يمكن أن ينفصل عن الموقف السياسي، وأن الثائر بطبعه على الواقع الراهن أو ما قبل الراهن، ينبغي عليه الالتزام بنظريات أدونيس فيما يتعلق بـ “التثوير” و”التدريم” و”التنوير”، وعلاقة اللغة بأوزان الخليل.

كان أدونيس في حقبة السبعينيات من خلال “مقدمة في الشعر العربي الحديث” أهم من الشعراء الذين كتبوا عن “الحلاج” و”ليلى والمجنون” و”البكاء”، وحتى عن رومانسية أبوسنة في “أجراس المساء”.

أضم صوتي لك يا أخي عبدالموجود، ولكنني أسحبه لأنك لم تقرأ السبعينيات جيدًا، لأنك باختصار شديد اختصرت المشهد في جماعتين شعريتين على ما يبدو، بينما كان هناك من “المهاجرين والأنصار” في الداخل والخارج المصري ما يجعلهم حتى اللحظة بمثابة حلقة الوصل الحية ما بين شعراء الخمسينيات والستينيات مع نظرائهم في التسعينيات وما بعدها.

اجتزاء “المجزأ” أصابنا بغيبوبة فكرية كلما حاولنا الاستيقاظ منها تداهمنا غيبوبة أخرى، “وخلف كل قيصر قديم، قيصر جديد” ودمعة سدى، هكذا كان يفسر أمل دنقل أحلامه في وجوه محبيه، وهكذا كان يطلق رصاصات الرحمة عليهم كلما فقد فيهم الأمل.

الزميل حسن عبدالموجود أثار ما هو تحت ركام كثيف من الأبخرة التي مازالت متصاعدة رغم وعورة المرحلة، ورعونة حملة “الدفاع عن اللقب”، شعراء سبعينيات أضافوا ولم يحذفوا، وآخرون رحلوا أو اختفوا، والله أعلم.

* كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية