العدد 5729
الجمعة 21 يونيو 2024
banner
احذروا ما تنشرون
الجمعة 21 يونيو 2024

نشر صديق لي مشهود له بالدقة والصدق والتحرّي، خبر وفاة عالم اللسانيات والمفكر الأميركي الشهير نعوم تشومسكي على صفحته الشخصية على الفيسبوك يوم الثلاثاء الماضي، وسرعان ما بدأ بعض أصدقائه ينقلون الخبر.. ثمّ تراجع هذا الصديق واعتذر عن نشر الخبر لعدم صحته.. والحقيقة أنّ خبر وفاة تشومسكي منتظرة في أيّ يوم لتقدمِ سنّ الرجل، ثمّ إنّ خبر وفاته يخصّ فئة من المثقفين. أمّا نشر أخبار زائفة عن موت عشرات الحجّاج من هذا البلد أو ذاك، وفي هذا الظرف الدقيق من موسم الحج ومن دون الأخذ من مصادر موثوقة، فهو لا يدخل البلبلة في الحجّاج أنفسهم فقط، إنّما في ذويهم الذين ينتظرون عودتهم، وللأسف تداول العديد من الأصدقاء على الفيسبوك مثل هذه الأخبار ولا سيما بعد يوم عرفة.

لعلّ بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي يظنّون أنفسهم إعلاميين محترفين، بل ويسعون أكثر من وسائل الإعلام المحترفة إلى السبق الصحافي حتى وإن كانت أخبارا زائفة.. حتّى وإن تعلّقت بأرواح الناس.. حتّى وإن أدخلت العائلات في هرج ومرج.. هكذا يجري الانحراف بالخبر والتلاعب به بعد أن كان مقدّسا موثوقا لا يُستقى إلا من وكالات الأنباء ومصادره الرسمية. إنّ إيقاف نزيف هذه الأخبار الزائفة أو الشائعات المنتشرة جزافا على مواقع التواصل الاجتماعي ضرورة ملحّة تستدعيها المصلحة الوطنية والقيم الأخلاقية لمهنة الصحافة. وقد أكّد المتخصّصون في مجال الإعلام في غير مناسبة أنه لا يمكن أن يكون المواطن العادي الجالس في بيته خلف شاشة هاتفه صحافيا، ولا سيما في مجال نقل الخبر وتداوله على نطاق واسع يثير البلبلة. لذا لابدّ من إيجاد حلول ذكية تحدّ من هذه الفوضى الإخبارية؛ فكما استطاع القائمون على الفيسبوك حجب الأخبار والمنشورات المتعلقة بعمليات الإبادة الجماعية للاحتلال في غزة ورفح وهي حقيقة واقعة، يمكنه أن يجد حلولا ذكيّة في مجال الأمن السيبراني لحجب الأخبار الزائفة والإشاعات أياً كانت فحوى تلك الإشاعة.

لكن في انتظار أن نمتلك نحن وسائل تحقيق هذا المطلب، نهيب بكل مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي أن يتحرّوا الدقّة، وأن يستقوا الأخبار من مصادرها الرسميّة قبل تداول أي خبر يهمّ الأشخاص أو المؤسّسات أو غيرها.

واعلم يا صديقي أنّك لست مسؤولا عن الاخبار فلِهذا التخصّص أهله، وإنّما صفحتك أو حسابك لنشر ما يخصّك أو نشر آرائك وأفكارك في كنف الاحترام. واعلم أيضا أنّك مسؤول أمام القانون أولا، وأمام الله ثانيا في كلّ ما تنشره، فهذه المنشورات هي لسانك الذي تنطق به؛ فليكن صدقا وخيرا لا كذبا وإفكا، ولا تنس قوله صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”، وقوله أيضا: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”، فقُلْ خيرا وسلاما أو اسكت.

 

* كاتب تونسي ومدير تحرير مجلة البحرين الخيرية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية