العدد 5733
الثلاثاء 25 يونيو 2024
banner
تشومسكي والقديس أوغسطين
الثلاثاء 25 يونيو 2024

روى القديس أوغسطين قصة قرصان أسره الإسكندر الأكبر، وسأله: كيف تجرؤ على الاعتداء على الناس في البحار؟ فأجاب القرصان: وكيف تجرؤ أنت على الاعتداء على العالم بأسره؟ إلا أنني أقوم بذلك بسفينة صغيرة فحسب أدعى لصا، أما أنت لأنك تقوم بالشيء نفسه بأسطول كبير فيدعونك امبراطورا؟

ذكر نعوم تشومسكي هذه الحكاية في كتابه الإرهاب الدولي الأسطورة والواقع، ليحلل ويفسر غطرسة القوة الأميركية التي ترى أن القتل والنهب بالجملة يسمى حربا مشروعة ويسمى من يمارسه امبراطورا، أما القتل والنهب بالتجزئة فيسمى إرهابا ومن يمارسه يسمى لصا أو قرصانا، وبالتالي ما تقوم به أميركا يسمى حربا وما يمارس ضدها يسمى إرهابا. والمفكر الأميركي تشومسكي المولود عام 1928 لعائلة يهودية في ولاية بنسلفانيا اشتهر بنقده الحاد الليبرالية المتوحشة والتدخلات العسكرية الأميركية في فيتنام والعراق وغيرهما من البلدان، ساند حركة الطلاب الاحتجاجية عام 1968 واعتقل عدة مرات، وأدرجه الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون ضمن لائحة أعداء البلاد.

ورغم ذلك ظل تشومسكي على مواقفه في تأييد الضعفاء، فقام بزيارة قطاع غزة عام 2012 تضامناً مع أهلها المحاصرين. وقال: إن إسرائيل تنتهج سياسات من شأنها زيادة المخاطر المحدقة بها إلى أقصى حد. فهي سياسات تختار التوسع على حساب الأمن وتقود إلى انحطاطها الأخلاقي وعزلتها ونزع الشرعية عنها. الأمر الذي سيؤدي إلى دمارها في نهاية المطاف وهذا أمر غير مستحيل. كما قام في عام 1993 بزيارة إلى مصر وألقى ثلاث محاضرات في الجامعة الأميركية بالقاهرة، أصدرها بعد ذلك في كتابه النظام العالمي القديم والجديد، قال فيه إن إسرائيل كدولة عميلة للولايات المتحدة تفعل ما يروق لها دون أن تتعرض لأي عقاب.


وتشومسكي ليس مفكرا سياسياً فقط، لكنه أحد علماء اللغويات ويوصف في تخصصه العلمي بأنه “أب اللسانيات الحديث”، وصاحب نظرية النحو التوليدي التي تعد أهم إسهام في مجال النظرية اللغوية خلال القرن العشرين. له أكثر من مئة كتاب وصنف ضمن أهم فلاسفة العالم الناطقين بالإنجليزية، كما نال العديد من الجوائز وحصل على درجات فخرية من 39 جامعة عالمية. وهو يعالج منذ عام من جلطة دماغية بالمخ، وحين سرت شائعة وفاته الأسبوع الماضي شعر الأحرار في العالم بالحزن الكبير، قبل أن تنفي زوجته الخبر وتؤكد خروجه من المستشفى. يعتبر تشومسكي مساندا وداعما للقضايا العربية باستمرار، وهو أحد المفكرين الكبار في العالم الذين كشفوا زيف سياسات أميركا، يقف دائما مع القضية الفلسطينية وكان آخر مؤلفاته عن فلسطين بالاشتراك مع إيلان بابيه.

- مدير تحرير “الأهرام”

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .