العدد 5734
الأربعاء 26 يونيو 2024
عبدالجبار الطيب
عبدالجبار الطيب
الاقتصاد ومواجهة جريمة الاتجار بالأشخاص
الأربعاء 26 يونيو 2024

نشر موقع الأمم المتحدة في يوليو 2023 مقالاً للكاتبة هيذر كوميندا بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، أشارت فيه إلى أن 27.6 مليون شخص يتعرضون للعمل القسري، وهو شكل من أشكال الاتجار، مقسمين على آسيا والمحيط الهادئ بواقع 15.1 مليون ضحية، و4.1 مليون في أوروبا، و3.8 مليون في إفريقيا، و3.6 مليون في الأميركيتين، ونحو 900 ألف في الدول العربية.
إن هذه الأرقام تدلل بشكل واضح على حجم هذه الجريمة، وتبرز بشكل أوضح أن وسائل الجريمة تتجاوز عادة إمكانات مكافحتها، بما يتطلب مواجهتها وفق إطار مؤسسي مستدام، فبالرغم من استخدام دول العالم وعبر منهجية المنظمة الدولية للهجرة التي تعتمد على مواجهة الاتجار بالأشخاص عبر وسائل ثلاث هي الوقاية والحماية والملاحقة القضائية، إلا أن النزعات الشريرة في بعض بني البشر أبت إلا وأن تستمر في ارتكاب هذه الجريمة التي تتجاوز حدود دولة بعينها، والأرقام أعلاه شاهدة.
في الواقع تعد هذه الجريمة، وخصوصاً في صورة العمل القسري، من أكثر المؤثرات السلبية على الاقتصاد، فالإنتاج الذي يقدمه ضحايا العمل القسري متى تم حسابه ضمن الدخل الوطني والناتج المحلي الإجمالي، فإنه يؤثر على صحته ومصداقيته، والسبب في ذلك أن عناصر الإنتاج وهي رأس المال والعمل والمنظم وهي الدولة والأرض لا تكون متوازنة بالشكل المطلوب، ومثال ذلك أن أرباح ومكاسب أصحاب رؤوس الأموال المتاجرين بالأشخاص تزيد بشكل كبير مقارنة بأجور العمالة، وذلك في حالة لم تكن عمل سخرة دون أجر، ما يخلق فجوة كبيرة بين عنصري رأس المال والعمل، بما يعزز من تفاوت دخول أفزاد المجتمع وتمتعهم من حصيلة الإنتاج الكلي، حيث تزيد أرباح المتاجر وتقل أجور العمالة، وبالمقابل يسهم ذلك في خلق مشكلات اقتصادية واجتماعية خطيرة.
وفي كلمة ألقاها بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الـ 75 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، قال فولكر تورك مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان ما نصه: “يحقق الاقتصاد القائم على حقوق الإنسان نتائج أفضل للناس لأنه يتخطى تحقيق الأرباح ويرتكز على حقوق الجميع“، ونتفق مع ما ذكره تورك  ونضيف أن السياسات الوطنية كلها يجب أن تكون مراعية لمبادئ ومعايير حقوق الإنسان، وبالأخص سياسات العمل والتوظيف، لأن الحق في العمل حق أساسي.

والواقع كما تبرز التقارير الدولية بأن مملكة البحرين تعي جيدا خطورة الاتجار بالأشخاص الاقتصادية والاجتماعية، ولذلك فقد اعتنت الجهات التنفيذية والقضائية بمصارعة هذه الجريمة مستندة على التصورات الحكيمة لجلالة الملك المعظم وسمو ولي العهد رئيس الوزراء، والتي آتت أكلها للعام السابع على التوالي عبر ما أكده تقرير وزارة الخارجية الأميركية المعني بجهود مكافحة الاتجار بالأشخاص من استمرار تصنيف مملكة البحرين ضمن الفئة الأولى في مكافحة هذه الجريمة من بين 188 دولة.
هنا يجب أن نشيد عاليا بجهود جميع الجهات ذات العلاقة، وبالأخص وزارتي الداخلية والعمل، والنيابة العامة كجهة قضائية مستقلة، عبر قيام هذه الجهات بخلق سيمفونية تعاون رشيقة وفعالة مبنية على إعلاء راية احترام وصون حقوق الإنسان، باتخاذ جميع الوسائل والآليات للوقاية ومكافحة ومواجهة المتاجرين بالأشخاص وعرضهم على القضاء لينالوا العقاب الرادع، والأهم من ذلك أننا نرى ومنذ سنوات عدة، أن سياسات مواجهة الاتجار بالأشخاص باتت تستند على إطار عمل مؤسسي وخطط وبرامج مستدامة تحاصر هذه الجريمة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية