العدد 5735
الخميس 27 يونيو 2024
كان مجاهدا من أجل الإنسان الذي يستحق هذا الاسم
الخميس 27 يونيو 2024

الشعر الجميل خلد أناسا كثيرين في التاريخ، وحمل بين طياته التجارب الإنسانية التي عاشها البشر، وترك لنا من قدمائها تراثا إنسانيا عظيما، نال فيه الشعر معناه الحقيقي في أحيان كثيرة، اطلعنا على شعر المتنبي، وزهير ابن أبي سلمى، والمعري، وخليل حاوي، وعبدالوهاب البياتي، وبلند الحيدري، والجواهري، والسياب، والأخير تمدد بشعره في نفوسنا وتأثرنا به كثيرا.
لكن هناك شاعر ما زال اسمه سابحا في السماء، وتميز بآفاق التعبير الرحبة، بل وأصبح مثل الوجه الذي يزور معجبيه كل ليلة، وهو الشاعر البلغاري الكبير نيقولاي فابتساروف الذي قرأت له عددا من القصائد المترجمة من بين تلال وركام الكتب الهائلة في منزلنا، ووجدت فيها صورا وأوزانا مركبة بتصميم نفذه بدقة عالية، كما أنه عالج في شعره قضايا الإنسان ومعاناته المختلفة والأمنيات المنعزلة في زاوية عميقة.
إذا كان “بروتاغوراس” يريد من عباراته أن تكون تخطيطا للمستقبل، أو لوحة قيم أخلاقية جديدة بواسطتها نحرر الفرد من المجتمع فنعطيه حقيقة خاصة به تستتبع قيما خاصة لهذه الحرية، فإن الشاعر نيقولاي فابتساروف أراد أن يكون الإنسان مكافحا صبورا قويا كالغصن الذي لا ينكسر، ووجد الخلاص في الشعر، لأن الشعر أصبح أداة خلاص، فالفن عندما يتكلم بلغة الحياة، لا يفوق تقديرنا للحياة عندما تنطق به بلغة الفن كما يقول “توماس مان”، فالشعر يداوى بالكفاح ولا يداوى الكفاح بالشعر، ولولا إيمان فابتساروف بقوى الغد لزاغت صورة الفردوس في عينيه، وامتحى المدى الأزرق الذي هو اللون الأساس في لوحة شعره كما يقولون.
لم يكن نيقولاي فابتساروف شاعر الكفاح فقط، بل مجاهدا من أجل الإنسان الذي يستحق هذا الاسم، وقراءة شعره ليست للمتعة بل لنرى بكل وضوح الطريق.
* كاتب بحريني

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .