العدد 5738
الأحد 30 يونيو 2024
banner
روبن هود الحداثة
الأحد 30 يونيو 2024

بعد نزاع طويل، استمر 14 عاما مع القضاء الأميركي، مؤسس موقع “ويكيليكس” جوليان أسانج أصبح حرا! غادر جوليان أسانج عصر الاثنين الماضي بريطانيا؛ حيث كان مسجونا منذ 5 سنوات في سجن مشدد الحراسة، فيما اعتبر نهاية مفاجئة لملحمة قانونية، أثارت قضايا تتعلق بالأمن القومي وحريات الصحافة والسياسة والدبلوماسية في العالم. وفي التفاصيل المعلنة، توصل جوليان أسانج مؤسس ومطلق موقع ويكليكس إلى اتفاق مع القضاء الأميركي، يعترف بموجبه بذنبه في التهم المتعلقة بفضح أسرار عسكرية، مقابل إطلاق سراحه، منهيا بذلك سنوات من النزاع القانوني. وبموجب هذا الاتفاق، سيتقدم أسانج بالاعتراف بتهمة “التآمر للحصول على معلومات سرية تتعلق بالدفاع الوطني، والكشف عنها”، عند مثوله أمام محكمة فيدرالية في جزر ماريانا الأميركية، الواقعة في المحيط الهادئ. وأمضى جوليان أسانج نحو 1900 يوم في سجن بلمارش شديد الحراسة. وكان أسانج مطلوباً من قبل السلطات الأميركية بتهم التجسس المرتبطة بنشر “ويكيليكس” مئات الآلاف من الوثائق العسكرية والحكومية الحساسة التي قدمتها محللة الاستخبارات العسكرية السابقة تشيلسي مانينغ، في عامي 2010 و2011.
كما هو معروف، فإن أسانج تمكن من سرقة معلومات ووثائق مهمة وقام بنشرها ووضعها بتصرف الجمهور، وكشف فيها أسرارا كبيرة دبلوماسية وعسكرية تخص الولايات المتحدة الأميركية ودولا غربية عدة. في حادثة ضجت بها عواصم ووسائل إعلام العالم، خصوصا بعد نشر أكثر من مليون وثيقة سرية تضمنت برقيات ووثائق دبلوماسية محرجة لهذه الدول لما احتوته من أسرار وتفاصيل، خصوصا في أميركا ودول غربية، والأشهر كان نشر فيديو يظهر طائرة هليكوبتر أميركية تهاجم مجموعة من العراقيين المدنيين وتقتلهم، وكان من بينهم صحافيان لرويترز. وهكذا وضعت قضية جوليان أسانج على سكة النهاية وهي هنا تخاطب المخيال الغربي في قصة مشابهة عن شخصية روبن هود في التراث الإنجليزي. “

والتي تمثل فارسا شجاعا، مهذبا، لكنه فوضوي التصرف وخارج عن القانون، عاش في العصور الوسطى وكان يتمتع ببراعة مذهلة في رشق ورمي السهام وألعاب الخفة الحربية.
كان روبن هود يشتغل هو ومجموعته القوية النشيطة في غابات شيروود في محافظة نوتينجهام شاير بالقرب من مدينة نوتينجهام في بريطانيا. حيث يسرق من الأغنياء ليوزع على الفقراء، تماما كما فعل أسانج حيث أسس مجموعة غريبة تسرق المعلومات من الدول المسيطرة وتنشرها للعامة.
وكان روبن هود حسب المخيال الإنجليزي، في بريطانيا، في العصور الوسطى. أما أسانج فقد انطلق عمله، في القرن الـ 21، أي في قرن الحداثة. حيث العالم قرية كونية صغيرة، وبدل أن يسرق التفاح والخبز من الأغنياء لتوزيعه على الفقراء، سرق الوثائق والمعلومات والأفلام السرية، ونشرها للجمهور المتعطش والمحروم من المعلومات، واحتمى في غابات وأشجار وأدغال القانون والحريات العامة.

كاتب وأستاذ جامعي من لبنان

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .