الحرب الروسية الأوكرانية المستعرة منذ فبراير 2022م تحولت بسرعة إلى مواجهة مفتوحة بين الناتو والاتحاد الروسي، وبالرغم من الحديث عن مشاريع ومبادرات السلام المتعددة (6 مبادرات)، فإن الصوت الوحيد الذي لا يزال يعلو هو صوت المدافع والصواريخ والقتل اليومي، وكي نفهم تداعيات هذه المواجهة نحتاج إلى العودة إلى أسبابها الأساسية، وصراع السرديات المؤسسة للحرب. قد يعتقد البعض أن هذه الحرب بدأت في فبراير 2022م، لكنها في الواقع بدأت قبل ذلك بكثير، من لحظة سقوط الاتحاد السوفياتي واستقلال أوكرانيا في بداية تسعينيات القرن الماضي، ولكن يمكننا التوقف عند اللحظة المباشرة التي كانت وراء تفجر هذا الصراع الدموي، وتحديدا في العام 2014م، بعد الانقلاب على السلطة الشرعية في أوكرانيا الممثلة في الرئيس المنتخب فيكتور يانوكوفيتش بدعم ومشاركة مباشرة من ممثلي القوى الغربية وبتمويل منها، حيث تم الاعتراف بالانقلابيين كقادة جدد لأوكرانيا، والذين كان عدد منهم من القوميين المتطرفين المعادين لروسيا، وبعضهم من مجموعات عنيفة لها تاريخ في الماضي. حيث اتخذ القادة الجدد خطوات استئصالية منها منع استخدام اللغة الروسية حتى في إقليم دونباس الناطق بالروسية، وتغيير القوانين وانتهاك الدستور.
وأدى وصول سلطة جديدة موالية للغرب ومعادية لروسيا، إلى ظهور حركة انفصالية من سكان إقليم دونباس نتيجة رفض الانقلاب على الشرعية التي وعدت بالنظر في مطالب سكان هذا الإقليم كمجموعة عرقية - ثقافية. وأدى ذلك إلى مواجهات عسكرية بين الجيش الأوكراني وسكان الإقليم. إلا أن السلطات الجديدة لم تتردد في تنظيم حملات عسكرية عنيفة لاستعادة السيطرة على هذه المناطق التي أعلنت انفصالها، بما في ذلك نشر وحدات شبه عسكرية (ميليشيات)، يصفها الروس بأنها نازية، أسهمت في التنكيل بسكان الإقليم المدعوم من روسيا. لقد كان من نتائج الإطاحة بالرئيس المنتخب والصديق لموسكو في عام 2014، اجتياح روسيا شبه جزيرة القرم ذات الأغلبية الروسية، وتنظيم استفتاء حول انضمامها إلى روسيا. كما صعد الانفصاليون انتفاضتهم في شرق أوكرانيا. وكان واضحا أن الحرب باتت حتمية والمواجهة تتجه إلى أن تكون شاملة. وللحديث صلة.
* كاتب وإعلامي بحريني