العدد 5740
الثلاثاء 02 يوليو 2024
banner
شعراء السبعينات ليسوا ملائكة
الثلاثاء 02 يوليو 2024

ليست تصفية حسابات تلك التي يعتقد “البعض” أنني عرجت نحوها؛ فلم تعد لدينا حسابات نصفيها، ولم يعد أمامنا أشباح يهيئون لنا انتقامًا من أحد، فأمير الانتقام مات مقهورًا في زنزانة “معتقل المغول” ولم تنقذه الأقدار مثلما يُقال.
ما تبقى هو الضمير، أصول من السبعينات، على فلول من الثمانينات، على متحرشين من التسعينات، ما بقي لا يشبه الدمع كثيرًا، لكنه يشبهه، ولا يتمسح في كيمياء عبارته مثلما يطرح أدونيس في ثابته المتحول، لكنه الاستيقاظ المتأخر الذي لا يمت بصلة لأهل الكهف، ولا للذين هبطوا من السماء، ولا لهؤلاء المتباهين على أرصفة المقاهي ببطولاتهم الوهمية، وقصائدهم النثرية، ورواياتهم “البارالمبية”. شعراء السبعينات ليسوا ملائكة.. نعم، أخطأوا من دون شك، ربطوا أنفسهم في ساقية أدونيس، كل هذا معروف، لكنهم لم يبيعوا أنفسهم، لم ينافقوا مسؤولا، طرحوا تجربتهم على “ورق اللحم”، على جدران البيوت، وعلى حوائط المبكى المصرية، لم يخطبوا ود متنفذ، لم يتسولوا عليه، لم يأتوا إليه بالهدايا و”النكات البايخة والقفشات المصطنعة”، لكنهم طارحوه الفكرة بالفكرة، والحجة بالحجة، استندوا على التاريخ، على محاولة التأصيل وربط الأسطورة بقضايا الواقع المرير، استلهموا التجارب بالتجريب، والحقائق بالأسانيد، تحدثوا عن التثوير والتنوير ولم يفصلوا “زيد عن عبيد”، آمنوا بالتغيير والتطوير ولم يعبدوا صنما ولا شتاء ولا زمهريرا، جاءوا بأمل دنقل كحجة على طريق الصبر الطويل والانتصار للوطن الجريح بعد حرب 67، واستشهدوا بأدونيس عندما طفح بهم الكيل ولم يجدوا من المُنظرين سوى بعض التقليديين العاجزين عن محاكاة الواقع ومراعاة هموم المساكين، لم يستسلموا للقوالب الجاهزة، ولا المصطلحات المعطوبة، ولا الصور المتكررة الباهتة، قالوا في “الخليل” بعد أن تعلموه وأتقنوه، غيروا في أبجدياته وأدبياته، ولم يهدموا صرحه العظيم، دخلوا إلى الموسيقى الشعرية من بوابة الصورة المتلألئة، والحرف المساند الشفاف، والقصة السريعة الموحية.

لم يكتبوا نثرًا ويسمونه شعرًا، ولا شعرًا ويحاولوا التنصل منه ملتحقين بالنثر خوفًا من الفشل الذريع، سموا الأشياء بأسمائها، لم يزيفوا الواقع، وكانوا صادقين مع أنفسهم ومع الناس، لذلك احترموا أنفسهم واحترمهم الناس، اختلفوا أيها السادة مع شعراء السبعينات، قولوا لهم كلمة حق لا يُراد بها باطل، قولوا لهم مثلاً إن فريقًا منكم غلب عليه “تسييس التجربة”، وفريقا آخر أفلت بجلده من سيطرة الآيديولوجيا ليكتشف عالمه بنفسه، وقولوا عنهم إن بعضهم كانوا ديكتاتوريين، لا يستمعون إلا لأنفسهم، ولا ينصتون إلا لهواجسهم، ولا ينحازون إلا لبني جلدتهم، قولوا عنهم إن صداقاتكم لم تدم طويلاً، حيث مات من مات، وهاجر من هاجر، وتواصل من تواصل، اتهموهم بأي شيء.. أي شيء، لكن لا للتخوين، لا للتهوين، ولا للتهويل، فلا يصح ولا يستقيم أن تتهمونهم بأنهم وصلوا بالقصيدة إلى طريق مسدود، وبالقضايا المطروحة إلى المحدود والمفقود، وإلى مستقبل التجربة بالموجود والموعود.
عفوًا أخي عبدالموجود، لقد حكمتني القافية مثلما حكمتك اللاعدالة، واللامعرفة، واللاحدود، رميت ولكن خابت رميتك، لأنك لم تكن دقيقًا في تصويب المشاهد حتى وأنت تحاكي جيل التسعينات، عرجت إلينا ولم تدرك أن بيننا من يغار على تاريخه، وأن بيننا من هم أولى بنقض التجربة، وأن بيننا من هم أقدر منك على مواجهة أخطائهم بأنفسهم ولا ينتظرون مِن كائن مَن كان أن يدعي عليهم بالباطل، أو يتقول عليهم بغير الحق.

كاتب بحريني والمستشار الإعلامي للجامعة الأهلية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .