العدد 5741
الأربعاء 03 يوليو 2024
banner
الانتخابات الأميركية والأقليات العرقية
الأربعاء 03 يوليو 2024

تابع العالم بشكل عام، والأميركيون بنوع خاص، المشاهد المثيرة للمناظرة التلفزيونية الأولى، والتي جرت بين الرئيس الأميركي جو بايدن، المرشح عن الحزب الديمقراطي لمقعد الرئاسة 2024، ومنافسه الرئيس الجمهوري السابق، دونالد ترامب، والتي بدت حقا مثيرة وغير مسبوقة.
السؤال الأول الذي لهجت الألسنة به بعد 90 دقيقة من “صراع الديكة العجوز”، إن جاز التعبير.. “من الخاسر ومن الفائز”؟ المؤكد أن النتيجة التي أعلنتها شبكة الـ CNN والتي استضافت الحدث، حسمت الجواب، فقد قال نحو 67 % إن ترامب كسب تلك المناظرة، فيما 33 % فقط صوتوا لصالح بايدن. ولعله من البديهي القول إن المناظرات بشكل عام لها هدف مؤكد هو محاولة التأثير على الناخبين الرماديين، وهنا لا نعني بهم سكان الفضاء الرماديين، كما تسميهم بعض وسائل الإعلام الأميركية، بل أولئك الذين لم يحسموا أصواتهم بعد، وتزخر بهم الولايات المتأرجحة. في القلب من تلك الأصوات هناك كتل كبيرة فاعلة ومؤثرة، ويمكن أن ترجح كفة مرشح على الآخر، ومن أهمها الأصوات الأفريقية، وأصوات “اللاتينوس”، أو سكان أميركا اللاتينية، عطفا على تجمعات عرقية حديثة العهد نسبيا مقارنة بالأفارقة واللاتينيين، مثل الآسيويين، والعرب.. مسلمين ومسيحيين. 
هل كان الغزل على متناقضات الأعراق حاضرا في المناظرة الأخيرة؟ قطعا جرت المقادير بذلك، لاسيما حين وجه المرشح الجمهوري ترامب، انتقادات واضحة وصريحة للرئيس بايدن، متهما إياه بأنه يتسبب في هجرة جماعية من الجنوب اللاتيني ناحية الولايات المتحدة، وأنه يتساهل معهم، على أمل أن يقوموا بالتصويت لصالح الديمقراطيين. ترامب لم يوفر الإشارة إلى ما يسميه الكوارث التي يقوم عليها هؤلاء، من جرائم أخلاقية، وترويج للمخدرات، وإضعاف للروح الأميركية، إلى آخر سلسلة الاتهامات المعروفة والمألوفة. على أن الجزئية الماورائية، والتي لم يشأ ترامب الإشارة إليها علنا، موصولة بالمخاوف العرقية في الداخل الأميركي، وهو أمر بحاجة إلى قراءة مفصلة، غير أنه بدون تطويل ممل أو اختصار مخل، يتمثل في العزف على مخاوف الرجل الأبيض “الواسب” أي الأميركي البروتستانتي، الأنجلو ساكسوني، من أنه سيضحى ذات نهار، أقلية في وسط طوفان كبير من الأجانب.
 

الرجل الواسب، هو المهاجر البيوريتاني الذي حل بالداخل الأميركي، قبل أكثر من ثلاثة قرون، هاربا من التكلس والتحجر الديني في القارة الأوروبية، وقد اعتبر هؤلاء أن الأرض الأميركية، هي كنعان الجديدة، في تماه واضح مع خروج بني إسرائيل من أرض مصر إلى فلسطين، أرض كنعان قبل عدة آلاف من السنين.
هذه المخاوف عند الرجل الأبيض، من تناقص أعداده، هي التي تدعم وتزخم التيارات اليمينية في الداخل الأميركي، والتي لا توفر عداءها للمهاجرين، خصوصا الملونين منهم، وتعمد إلى تنغيص عيشهم بصورة أو بأخرى.
هنا سيكون من الطبيعي على تلك الجماعات أن تتساءل عن مستقبل حضورها في الداخل الأميركي، وعن محددات ومعيرات رؤية الحزبين الكبيرين لها، الديمقراطي والجمهوري، ومن هذا المنطلق تأتي رؤيتها التصويتية. 
بحسب أرقام مكتب التعداد الفيدرالي، يبلغ سكان الولايات المتحدة نحو 333 مليون نسمة، منهم 59.3 % من البيض، و18.9 % من الهيسبانيك اللاتينيين، و12.6 % من السود الأفارقة، و5.9 % من الآسيويين، و3.3 % من بقية الأعراق. 
السؤال هنا: “هل لا تزال فكرة “بوتقة الانصهار” قابلة للاستمرار والتعايش، وتخليق مستقبل الولايات المتحدة، أم أن الصراعات العرقية، تلك التي تظهرها أوقات الانتخابات العامة، لاسيما الرئاسية، تخبرنا بأن هناك صعوبات حقيقية في التعايش تجعل من مسألة البقاء والنماء معا، أمرا مشكوكا في جدواه.
الذين لهم دالة على متابعة مجريات الداخل الأميركي، يقطعون بأن هناك صداما بدا صامتا، ثم لم ينفك أن علا صوته في الآونة الأخيرة، بين الأبيض والأسود، وهو صراع تاريخي تقليدي، يمكن للمرء أن يتفهمه، غير أن هناك مخاوف متنامية لدى الأبيض كذلك من سكان الخلفية الجغرافية الجنوبية، لاسيما أن أنساقهم المجتمعية مغايرة.
في الوقت الراهن كذلك، لا يبدو صوت الجماعات الآسيوية مرتفعا، فهم منشغلون بالاقتصاد، لكن عن قريب ستكون السياسة أداة لخدمة أهدافهم الاقتصادية. ماذا يعني ذلك؟
يخشى المرء من القول إن أميركا الموحدة، والمنصهرة في كيان نفسي وروحي واحد، تقارب على الانتهاء، ولهذا يتحدث الكثيرون عن فكرة الحرب الأهلية في الداخل الأميركي، وللحديث بقية.


كاتب مصري خبير في الشؤون الدولية

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .